الحاج حسن وغنوي ويزبك يكشفون لــ “السؤال الآن” أبعاد قرارات المجلس الشيعي ووجه الصراع
حسين عطايا
اظهر القرار الصادر عن هيئة التبليغ الديني في المجلس الاسلامي الشيعي، بحق مجموعة من رجال الدين الشيعة، على انهم غير صالحين لممارسة رسالة التبليغ الديني وفي قضايا الاحوال الشخصية لابناء الطائفة الشيعية، لغطاً كبيراً خصوصاً على المستوى الداخلي في المجلس لاسيما إذا نظرنا للبيان الصادر عن المجلس نفسه والموقع من نائب رئيس المجلس الشيخ علي الخطيب والذي يقوم بمهام رئاسة المجلس .
هذا الامر ترك انطباعاً بأن المجلس لا تنتظم أموره على الموجة ذاتها من الانتظام لا بل ظهر للعيان على ان في داخله مجموعة اجنحة تتصارع وابرزها جناحي حركة أمل وحزب الله، هذا من جهة، ومن جهة ثانية يبدو أن جناح حزب الله يُريد كما في السياسة كم الافواه المعارضة ولو لبست لبوس رجال الدين لإنه لا يستطيع او يستسيغ معارضة له لا في السياسة ولا على المستوى الديني، ويتبين ان جناح “أمل” لا زال متعقلا في بعض الامور ليس محبة بالمشايخ الواردة اسماؤهم في لائحة هيئة التبليغ، بل لكسب ود بقية المشايخ المستقلين والظهور بمظهر الحفاظ على الجميع وعلى تميُزهِا عن حزب الله، لا سيما وان انتخابات المجلس على الأبواب على مستوى الهيئتين العامة والشرعية، وهذا ما تخشى منه حركة “أمل” خوفاً من سيطرة حزب الله الرسمية على المجلس ومؤسساته، مثل مستشفى الزهراء والجامعة الاسلامية واللتين تُشكلان دجاجة تبيضُ ذهباً نتيجة العائدات التي يعود ريع جزء كبير منها للقيادة والرئيس نبيه بري شخصياً، كما عائدات الاوقاف والتي لها عائداتٌ كبرة ايضاً .
إذن، لهذا القرار تداعيات كبيرة ومتعددة وهو الأول من نوعه على مستوى المجلس منذ تأسيسه في بداية سبعينات القرن الماضي، خصوصاً لجهة الطلب من المشايخ الواردة اسماؤهم بضرورة خلع الزي الديني، وهذا الامر لم يحدث من قبل على الاطلاق، ولا صلاحيات فعلية للمجلس على هذا المستوى، خصوصاً ان المجلس ليس جهة محايدة او مستقلة، بل هو يتبع قوى الامر الواقع على مستوى الطائفة الشيعية ويحتكر السيطرة عليه ويتقاسمها الثنائي أمل ـــــ حزب الله، واساساً لم تجر انتخابات الهيئة العامة والشرعية فيه منذ العام ١٩٧٢ ولا تزال تُمرر قوانين التمديد خلسةً دون ان يتنبه لها احد عبر رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ولا يزال السعي من قبل قيادة الثنائي على تخفيض عدد الهيئة الناخبة ليستطيعا السيطرة عليها كما حصل في الطائفة السنية من قبل، فالهيئة الناخبة الشيعية تُقدر بحوالي الاربعين الف ناخب وهم أعضاء النقابات الكبرى والنواب والوزراء الحاليين والسابقين كما رؤساء الجمعيات في الاقضية .
وللوقوف على موقف رجال الدين الصادر بحقهم هذا القرار تواصلنا مع كل من الشيخ محمد الحاج حسن، الذي قال: “بأن المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ليس الجهة الصالحة لاخذ هكذا قرار لا سيما ان إدارته ليست شرعية كونها ليست منتخبة بل كلنا نعرف كيف تُدار الامور في المجلس”.
وأوضح “دئب المجلس ومنذ العام ٢٠٠٦ على إصدار البيانات بحقي ويتبرأ مني وكأني موظفاً في هذا المجلس، خصوصاً ان هذا المجلس اصبح مطواعاً يُحركه حزب الله كيفما يشاء لمواجهة واسكات كل صوت شيعي حر لا سيما على مستوى رجال الدين الشيعة المستقلين والاحرار، كما ان حزب الله التابع لايران ولولاية الفقيه ادخل على العقيدة الشيعية ما هو مخالف لها “.
هذا البيان ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالموضوع الديني، بل هو نتيجة مواقف رجال الدين الصادر بحقهم في السياسة وفي مخالفتهم لرأيه ولاعماله الذي يقوم بها حزب الله وهو كميليشيا مسلحة واعماله لا تتناسب مع التشيع، لذا مطلوب اسكات هؤلاء العلماء الافاضل واقصائهم ليخلو له ولجماعته الجو، لذلك يقول سماحة الشيخ محمد الحاج حسن، “في هذا الوقت الحساس التي تمر به البلاد، علينا ان نقول الحقيقة كما هي، وبالتالي توقيت هذا البيان ملتبس ولا علاقة له بالدين ولا بالتبليغ الديني والدليل ان المجلس نفسه عاد واصدر بياناً اخر يُناقض ما جاء ببيان هيئة التبليغ الديني، والذي قال عليكم نزع اللباس اليدين وسنلاحقكم”، وختم سماحته باللبناني الدارج “لاحقونا روحوا بلطوا البحر”.
من جهته، قال الشيخ سامر غنوي: “البيان بتوقيته ملتبس وهو يُريد اسكات وقمع اصوات رجال الدين الشيعة المستقلين والاحرار، ليُتاح لهم السيطرة على المجلس لانهم لايحتملون صواً معارضاً ومستقلاً، والمجلس ليس ذي صلاحية لنزع الثوب الديني اساساً، وهذا الزي ليس هو من يُحدد علم ومعرفة واطلاع رجل الدين، وانا قد اكون الوحيد او من القلة القليلة على مستوى رجال الدين الشيعة اعيش من تعبي وعرق جبيني وانا من ذوي اليدين الخشنتين وليس كما الاكثرية اصحاب الايادي الناعمة والتي تعيش على حساب المؤمنين من زكاة وخمس وتبرعات، فأنا اعمل في الحجارة ولا اخجل من عملي، ومهام رجل الدين هي الهداية والاصلاح لذات الامور وبالتالي هو عمل نقتضي به من السلف الصالح لإصلاح ذات البين بين مواطنينا واهلنا ولا نميز بين لبناني واخر ولا ننحاز لفئة او حزب، بل عملنا الديني هو الموعظة الحسنة والهداية لدروب الخير والتمتع بالاخلاق الدينية التي تُفيد المجتمع وتحفظه “.
من ناحية أخرى كنا قد تواصلنا مع الشيخ عباس يزبك إمام وخطيب بلدة نحلة البقاعية حول قرار هيئة التبليغ الديني وتداعيته فاجاب بما يلي: “المجلس فاقد لشرعية تكوينه بحسب الاصول التي وضعت له .فالقائمين على المجلس جعلوه ظهيرا واداة للفاسدين المتحكمين بالطائفة والوطن . واذا كان هناك من محاسبة فلا يتولاها الفاسدون الغارقون في الفساد والطائفية والحقد والغلو الذي يدمر ديننا ويشوه طائفتنا ويسحق بلدنا. بل أن المحاسبة تتولاها جهة موثوقة مشهود لها بالعلمية والاخلاقية وليس قرارات كيدية وأهوائية طالت شخصيات دينية محترمة استُهدفت على خلفية مواقفها المعارضة للفريق الشيعي السياسي والديني الحاكم وما يقترفه بحرمات بحق الوطن وانسانه”.
وفقا لما ورد على لسان المشايخ يتبين بأن قرار هيئة التبليغ الديني هو محض إفتراء على رجال الدين الخمسة عشر الصادر بحقهم وهو نتيجة لمواقفهم السياسية المعارضة لحزب الله وتصرفاته الساعية للهيمنة والسيطرة على الطائفة الشيعية لتطبيق النهج الشيعي الايراني البعيد كل البعد عن النهج الشيعي العربي والذي يستند على نهج الاسلام والائمة الشيعة والذي يبتعد كثيراً عن نهج التشيع الصفوي الايراني وعن نظرية ولاية الفقيه والتي تُشكل لُب الصراع بين التشيع العربي اللبناني والتشيع الصفوي الايراني والذي اضاف عليه الخميني نظرية ولاية الفقيه اي ان المرشد الروحي في ايران يُمثل الذات الالهية ولا يُخطيء ابداً وعلى الجميع طاعته ومن دون اي اعتراض .
من هنا، فإن هذا القرار وبتوقيتٍ ما بعد حادثة شاحنة الكحالة التي محملة بالسلاح والاصوات الشيعية التي نددت بتصرفات حزب الله ليقمع كل الاصوات المستقلة والحرة داخل الطائفة الشيعية إن على مستوى المعارضة السياسية او الدينية.