أزمة لبنان .. ومأزق حزب الله

أزمة لبنان .. ومأزق حزب الله

 أحمد مطر

لبنان في مأزق ممنوع عليه الخروج منه والسبب في ذلك يقوم بقوة المصالح باسم الطوائف وقوة السلاح باسم المقاومة، وليس المناخ المتوتر والصدام الذي حدث بعد انقلاب شاحنة كوع الكحالة سوى صورة مصغرة لمشهد واسع في الوطن الصغير. ولا شيء يوحي بأن جماعة الممانعة في وارد المراجعة، ولا أن بقية اللبنانيين الذين طفح بهم الكيل من تمدد الهيمنة في وارد التراجع .

جاءت حادثة الكحالة لتعطي الحزب مادّة جديدة يراكم عليها تمثّلت في استثمار القوى المعادية له الحادثة محلياً ومحاولة تقديم الحزب وسلاحه على أنه خطر على البيئة المسيحية خصوصاً، واللبنانية عموما.

وهكذا أطل على اللبنانيين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وافتى في تفسير حزب الله لاتفاق “الطائف” بالقول من لا يريد المقاومة لا يريد اتفاق الطائف، متهماً خصومه بأنهم حلفاء إسرائيل ومحذراً من مغبة الخروج عن تفسير حزب الله لاتفاق الطائف. وبهذا قلب رعد الأدوار إذ وضع حزبه في مقام المدافع الاول عن الدستور في مواجهة من يطالب بدولة واحدة وجيش واحد وسلطة واحدة.

تأتي الفتوى الجديدة بعد اشتباكات مخيم عين الحلوة التي كانت الدولة اللبنانية مجرد شاهد عليها، وبعد جريمة عين إبل المجهولة الظروف وبعد انقلاب شاحنة الكحالة. المواطن المغدور في عين إبل والمواطنان اللذان سقطا في الكحالة وقد سبقتهم سلسلة طويلة من اللبنانيين هم شهداء فتاوى حزب الله وقبله اجتهادات النظام السوري في تبرير وجود السلاح خارج مؤسسات الدولة وخصخصة المقاومة بتحويلها حقاً حصرياً لمرجعية مذهبية أعطت لنفسها دون سواها الحق في تصنيف المواطنين بين خائن ومقاوم، كما أباحت لنفسها اجتياح الساحات وغزو العاصمة والجبل بالسلاح المقاوم عينه، ليترجم ذلك بعد جولات من العنف والدم بتفسير الدستور تجديداً وتمديداً وبأعراف الثلث المعطل وحكومات الوحدة الوطنية والتوقيع الثالث وبدع الأكثرية الموجبة حضوراً واقتراعاً لانتخاب رئيس للجمهورية.

ذلك أن السلاح ليس موضوعاً مجرداً في حد ذاته، بل مرتبط بوظيفته وهوية من يستخدمه ومشروعه. فـ”المقاومة الإسلامية في لبنان”، والتي قاومت الاحتلال الإسرائيلي ودحرته من الجنوب في عام 2000، ليست مجرد مقاومة لإسرائيل، بل لها أدوار أخرى. ومن طبائع الأمور أن تحتاج إلى خطوط إمداد وأمور أخرى، لكن توسعها في البلد ليس فقط لضرورات المقاومة، بل أيضاً لحاجات المشروع الإقليمي الإيراني. وإلا كيف نفسر دور حزب الله في حرب سوريا وأزمة العراق وحرب اليمن وأزمات إقليمية أخرى، وهل نحتاج إلى ترجمة سياسية لخطاب بالغ الصراحة ألقاه الأمين العام للحزب حسن نصرالله في عام 2019،حيث قال فيه نحن هنا من لبنان نقول للعالم كله إن إمامنا وقائدنا وسيدنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو سماحة آية الله العظمى الإمام السيد الحسيني الخامنئي دام ظله، وإن إيران هي قلب المحور ومركزه الأساسي وداعمه الأقوى وعنوانه وعنفوانه وقوته وحقيقته.

ردود الفعل التلقائية على حادثة الكحالة التي فرضها انقلاب الشاحنة والانتشار المسلح حولها ليست الفصل الاساس في الموضوع انما الفصل الاساس هو بواقع المأساة التي تعيشها مسيرة الدولة في لبنان المستباحة سيادتها وقوانينها وحرياتها، لمصلحة متطلبات المشروع الإقليمي الإيراني ، والإصرار على الهيمنة كل المؤسسات والمراكز السلطوية، وفرض الشغور في رئاسة الجمهورية بتعطيل الدستور واللعبة الديمقراطية مع تعميق الأزمات وتسريع الانهيار بداعي التسليم بخيارها أو لا رئيس .

ختاماً الأخطر هو تصرف أهل المصالح على أساس أنهم باقون ولو انتهى البلد وهاجر الشعب، ورؤية أصحاب القوة المأزق طريقاً مفتوحاً إلى لبنان آخر غزة نموذجاً.

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني