نزوح سوري أم غزو منظم للبنان؟
حسين عطايا
تشهد الحدود اللبنانية ــــ السورية، لا سيما في مناطق الشمال وتحديدا مابين منطقة وادي خالد والقرى والبلدات المحاذية للنهر الكبير، والذي يُعتبر الحدود الطبيعية الفاصلة بين لبنان وسوريا.
ما تشهده تلك المناطق من قرى وبلدات مُتداخلة بين بعضها البعض وأواصر القرابة التي تربط بين مواطني تلك القرى والقاطنين على جانبي الحدود مما يُصعب اعمال المراقبة والتي عدا عن تلك العلاقات العائلية، والتي يتداخل معها، طمع بعض المواطنين على جانبي الحدود في ممارسة مهنتهم القديمة ــــ الجديدة في التهريب، مما يجعل مراقبة الحدود أمرا اكثر صعوبة في ظل النقص الموجود في عديد افواج الحدود البرية في الجيش اللبناني، إذ أعلن قائد الجيش العماد جوزف عون في اللقاء التشاوري الاخير الذي عُقد الاسبوع الماضي في السرايا الحكومية عن حاجة الجيش لعديد ما يُقارب الاربعين الف عسكري ليستطيع ضبط الحدود البرية الشرقية، والجيش حالياً لا يمتلك سوى ثمانية الاف عسكري موزعة على افواج الحدود الثلاثة التي تهتم بمراقبة الحدود وما تتحمله من اعباء تلك المهام الجسام، ولطبيعة الحدود اللبنانية ــــ السورية الوعرة والمتداخلة بعضها ببعض .
قد يكون ذلك صعباً في ظل انتشار مافيات التهريب والاساليب المبتكرة التي يُطورها المهربون ويبتكرونها يوماً بعد يوم، البعض يتم اكتشافه والبعض الاخر لا يمكن ضبطه، هذا في الحالات العادية، بينما في الحالات التي تشهدها الحدود عبر المعابر غير الشرعية والتي يسيطر عليها جماعات منظمة وبعضها معروف ولكن القضاء لا يقوم بواجبه بالنظر لحماية هؤلاء ولان بعض القوى السياسية تشملهم بحمايتها ورعايتها، يُلقى القبض عليهم فيخرجوا في اليوم الثاني ويعودوا لممارسة اعمالهم في تهريب البشر وغيرها من أفعال خارجة عن القانون مختلفة الاهداف ووسائل تنفيذها متعددة .
في هذه الحالات الاستثنائية التي يمر بها لبنان، ونتيجة الاوضاع الاقتصادية الصعبة جدا في سوريا، تتصاعد نسبة النزوح الى لبنان ومن ثم للهجرة غير الشرعية عبر البحر والوجهة اوروبا، وفي هذه الحالة تتسرب بعض المعلومات عن وجود تقاعس سوري واضح، لا بل رعاية لبعض كبار المهربين لبنانيين وسوريين ممن يرتبطون بعلاقة خصوصاً مع الفرقة الرابعة والتي يقودها ماهر الاسد شقيق رئيس النظام السوري بشار الاسد، وبتوفير بعض التسهيلات للذين يُريدون عبور الحدود وعبر مافيا التهريب المشمولة برعاية الفرقة الرابعة في الجانب السوري وبعض القوى السياسية اللبنانية على الجانب اللبناني، لا بل بعض العناصر في الاجهزة الامنية تشارك بمافيا التهريب وتسهل الامر للمهربين .
وهنا لم يعد الموضوع مسألة نزوح نتيجة ظروف الحرب او اسباب امنية، بل هي هجرة اقتصادية منظمة مشمولة برعاية سياسية وامنية في كلا البلدين وعلى جانبي الحدود، حتى بات توصيف هجرة او نزوح ليست بمكانها بل الوصف الاصح هي عملية غزو سوري مُنظم وبرعاية سياسية واضحة المعالم من النظام السوري ليتخلص من الاكثرية السنية خصوصا إذا ما راقبنا جيداً اعداد النازحين واعمارهم، فقد يشكل الشباب دون الخامسة والثلاثين من العمر الاكثرية ومن مناطق شمال وشمال شرق سوريا اي من المحافظات والتي باكثريتها خارجة عن سيطرة النظام ومن طائفة معينة بذاتها، وكأن الامر مقصودا لخلق واقع جديد في كلا البلدين.
ففي سوريا يرتاح النظام من مجموع الشباب السني من المناطق التي تؤرق النظام، وعلى الجانب اللبناني هذه الموجة من الغزو تُساهم في خلق ارباك لما تبقى من دولة لبنانية واجهزة امنية وعسكرية في الظروف الراهنة وبالتالي يُصبح النازحين قنبلة موقوتة في حال طالت اقامتهم في لبنان ولم يستطيعوا من الانتقال الى وجهتم خارج لبنان .
لهذا لم تعُد الازمة ازمة نزوح او غزو خاصة بلبنان، بل ازمة اقليمية وحتى دولية، المطلوب من دول اوروبا تحديداً مساعدة لبنان ليستطيع حماية حدوده وبالتالي ليكون سداً امام انتقال هذه الجموع الى اوروبا عبر اراضيه والذي يُعتبر اليوم قاعدة انطلاق النازحين للهجرة غير الشرعية الى اوروبا .
إذن النظام الفاشل في سوريا يُمارس شتى الاعمال العدوانية على شعبه وجيرانه من الدول ليبقى مستمراً في حكم ما تبقى من سوريا عبر ممارسات إجرامية كونه اصبح دولة مارقة من خلال تصنيع الكبتاعون وانواع اخرى من المخدرات وتصديرها وتهريبها الى المنطقة العربية وغيرها من الدول ،حيث ان لم يتبق للنظام من موارد غير تصنيع وتجارة الممنوعات وتهريبها عبر لبنان والاردن وعبر مافيات خاضعة لسيطرته وتحت رعايته، وهنا مطلوب موقف عربي ودولي جاد لمساعدة لبنان في هذه الحالة حتى لا يسقط لبنان مُجدداً تحت السيطرة السورية، لكن هذه المرة سقوطه يكون بيد المافيات الاجرامية والتي تتقن فنون تهريب المخدرات والممنوعات وستكون مصدرا لوباء لا يتعلق بلبنان فحسب بل بالمنطقة العربية واوروبا ايضاُ .