طلاّب من أجل العدالة في فلسطين

طلاّب من أجل العدالة في فلسطين

حسن زهير

       إنّ التعبئة الجارية، حالياً، في جامعة كولومبيا لا تخلو من أبعادٍ رمزيةٍ مهمة جداً بسببِ مكانتها كجامعةٍ نخبوية، وواحدة من ثماني جامعات في “رابطة آيڤي”، حيث تعمل هذه الرابطة، ذات التميّز الأكاديمي والميزانيات المرتفعة، على تكوين النخبة في أميركا وتأهيلها، فهي تملك مراكز رائدة للبحث العلمي ومُموّلة جيّداً، وتُشكّل أحد الروافد الأساسية التي تخدُم مشاريع المجمّع الصناعي العسكري الأميركي، ولذلك تتلقّى تمويلات ضخمة من الشركات الأميركية الكبرى، فضلاً عن التمويلات الإسرائيلية مختلفة الأشكال والأنواع.

   وتقول الأرقام في هذا الصدد إنّ التبرّعات والعقود الإسرائيلية، وحدها، قد بلغت في السنوات الماضية حوالى 375 مليون دولار. ومن خلال هذه الأرقام، سينكشف لطلّاب الجامعات الأميركية حجم الاستثمارات التي تمنحها إدارات جامعاتهم للجيش الإسرائيلي، من أجل تنفيذ مشاريع تقنية عسكرية، تُستخدم في الحرب الظالمة ضدَّ الشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق أيضًا، يُمكن فهم تلك الشعارات التي نسمعها على الشاشات في مختلف الساحات الطلابية بأميركا وأوروبا: “أوقفوا اتفاقيات التعاون… أوقفوا الاستثمارات العسكرية مع الجيش الإسرائيلي”.

   ويتبيّن ممّا سبق أنّ كلَّ ما يُقال، عادةً، عن التفوّق التكنولوجي الإسرائيلي، ليس في واقعِ الأمر إلا تفوّقاً لهذه الجامعات الأميركية مُجتمعةً، التي تضع تحت تصرّف إسرائيل ابتكارات الطلبة وإنجازاتهم البحثية، لانتقاء ما يتناسب منها مع مشاريعها في المجال التقني العسكري، وذلك بموجب الاتفاقيات المذكورة، التي يتظاهر الطلاب اليوم من أجل إلغائها. إنّ هذه الهبّة الجامعية الأميركية ضدَّ الحروب الاستعمارية ليست أمراً غير مسبوق في تاريخها، إذ سبَق أنْ لعبت هذه الجامعات دوراً أساسياً خلال الحرب الفيتنامية، من أجل إقناع الرأي العام الداخلي بخطورةِ هذه المأساة الإنسانية، لكن ما هو غير مسبوق ولافت فعلاً، كونها هبّة جامعية مُعادية للصهيونية ومساندة لفلسطين، وهو الأمر الذي استفزّ اللوبي الصهيوني في واشنطن واستنفره لتوظيفِ شعار “معاداة السامية”، من أجل الضغط على مسؤولي هذه الجامعات لمواجهةِ الاحتجاجات التي أصبحت تتّسع يوماً بعد يوم.

   وفي السياق نفسه، أصدرت كذلك “رابطة مكافحة التشهير”، وهي إحدى أكبر المنظمات الإسرائيلية الأميركية وأهمّها، تقريراً جديداً عن تصنيف الجامعات الأميركية حسب معيار درجة معاداتها للسامية داخل الحرم الجامعي. واللافت أنّ أهم جامعات العالم، كجامعة هارفارد، ستانفورد، شيكاغو، ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، كلّها حصَلت على تقييم سلبي، وفقاً للتصنيف المذكور، فيما تمكّنت جامعة برانديز في ولاية ماساشوستس من الحصول على درجةٍ جيّدةٍ وممتازةٍ، فقط لأنّها كانت أوّل من ألغت الاعتراف الرسمي بفرع المنظمة الطلابية: “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، بهدف الحدّ من نشاطها المتنامي في الولايات المتحدة الأميركية وكندا ونيوزيلاندا، الذي أصبح يمتدّ إلى أوروبا وباقي دول العالم.

Visited 32 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسن زهير

باحث وكاتب مغربي