الغاز الروسي سلاح جديد بيد بوتين؟
د. خالد العزي
فشلت روسيا في الالتفاف على العقوبات بتحويل الدفع بالروبل لأسعار الغاز المسيل إلى أوروبا. مما ألزم الروس بالتراجع خطوة للخلف، باعتبار أن شركة “غازبروم” هي التي ستقدم مخططا للحكومة بكيفية الانتقال السهل في تحويل العقود الى الروبل…
في اجتماع للحكومة الروسية بتاريخ 23 آذار- مارس الحالي، باتخاذ قرار سريع لدعم عملتها المنهارة، دون دراسة فعلية لتحويل العقود الروسية لبيع الغاز للخارج بالروبل. وكانت روسيا قد وضعت في أفضل أيامها خطة استفزازية جديدة من قبل الروس لدق إسفين داخل المجتمع الأوروبي، بغاية إرباك الحكومات الأوربية من أجل تأمين الغاز الطبيعي لمواطنينها.
وحدد الرئيس بوتين مدة أخيرة حتى نهاية 31-3-2022 الحالي، لتسديد ثمن الغاز الروسي المصدر إلى أوروبا بالروبل، كبديل فعلي عن الدفع بالدولار واليورو، حيث شرع البنك المركزي وشركة “غازبروم” على الفور بمناقشة تفاصيل تحويل المدفوعات إلى الروبل، لكونها عملية معقدة، وروسيا لن تورد غازها الطبيعي بالمجان.
لقد أدى قرار روسيا بالتحول إلى الروبل لدى تداول غازها مع دول غير صديقة إلى إحداث صدمة في أوروبا واليابان.
إذن فشل الروس في دفع الأوروبيين للتوجه نحو الخطة الروسية التي تعتبر شعبوية بعيدة عن الاتفاقات الدولية، التي يجب أن يتم التوافق عليها بين طرفي عقود الغاز، بحال عدم القبول سيفرض على روسيا ضخ الغاز إلى الغرب دون توقف والتوجه نحو محكمة ستوكهولم المختصة بمناقشة هذه المواضيع والتي ستطول مما يفرض على روسيا الانتظار لعدة سنوات.
وبنفس الوقت، فشلت روسيا في تشكيل جبهة شرقية من الصين والهند ودول أخرى، لتمرير الغاز والالتفاف على العقوبات الدولية، لكن الإصرار الأوروبي بات واضحا بأنهم لن يدفعوا ثمن الغاز بالروبل.
ماذا يعني قرار الرئيس بوتين باستبدال الدولار بعملة الروبل، في عمليات بيع النفط والغاز الروسي للاتحاد الأوروبي، الذي يشتري يوميا من روسيا النفط والغاز بقيمة 660 مليون دولار؟
إن القرار الروسي باستبدال الدولار بالروبل أمر خطير جدا، ويعني أن الاتحاد الأوروبي مطالب بدفع تلك القيمة الضخمة من الدولارات عملة الروبل، حاليا الدولار يسوى 100 روبل، وذلك يعني حسابيا أن الأتحاد الأوروبي مطالب بتوفير 6,6 مليار روبل يوميا، مقابل النفط والغاز، لكن السؤال من أين سوف يؤمن الاتحاد الأوروبي هذه الكمية الضخمة من الأموال؟
إذن الاتحاد الأوروبي سيضطر لشراء الروبل مقابل الدولار أو الأورو، بالوقت الذي لا توجد دولة أخرى، بخلاف روسيا، لديها الكمية الضخمة من الروبل، مما يعني أنهم سوف يضطرون لطلبها من البنك المركزي الروسي، بيعهم الروبل مقابل الدولار أو اليورو، وبالتالي سيرتفع لدى روسيا احتياطي كبير من العملة الصعبة، ويبقى لروسيا بين يدها القرار الذي سيؤدي إلى إفلاس الاتحاد الأوروبي.
سوف تقول روسيا لدول الاتحاد لا أبيع لكم الروبل بالدولار والأورو، لأن البنك المركزي الروسي معاقب ومخرج من نظام swift”سويفت “، لكن سوف أبيع لكم الروبل مقابل الذهب، وهنا الطامة الكبرى، لأن سعر الذهب الآن الجرام الواحد يساوي حوالي 60 دولار يعني 600 روبل. يعني بعملية حسابية بسيطة سيكون الاتحاد الأوروبي مطالب بتوفير 11 طن يوميا من الذهب، أي 6,6 مليار روبل يوميا لشراء حاجياته اليومية من النفط والغاز الروسي. هي أرقام فلكية، يعني لو روسيا تتخذ هذا القرار، فإنه سيمتص في ظرف وجيز احتياطي الذهب في البنوك المركزية الأوروبية وتكدّسه لديها، وهذا الارتفاع في الطلب على الروبل سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الطلب على المبادلات التجارية بجميع أنواعها مع روسيا. يعني أن الدول الأوروبية سوف تضطر لبيع منتوجاتها لروسيا من أجل الحصول على عملة الروبل، التي ستصبح في خانة “العملة الصعبة”، وبالتالي ستصبح روسيا، وعملتها الروبل في حد ذاتها، هي المحدد للأسعار في الأسواق العالمية بدل الدولار والأورو، الحرب الاقتصادية الموجهة ضد روسيا أصبحت سلاحا في يد روسيا ضدّهم وأقوى حتى من السلاح النووي.
لهذه الأسباب لن يوافق قادة الاتحاد الأوروبي على مطالب روسيا التي تحاول الالتفاف على العقوبات التي فرضت عليها بسبب غزوتها العسكرية لأوكرانيا وليس بسبب بيع الغاز من الاتحاد الروسي، الذي يحاول استخدام هذه الورقة سلاح الطاقة بوجه العقوبات الغربية للمحافظة على استقرار الاقتصاد الداخلي.
في محاولة لتعويض الخسائرالتي فرضت على روسيا من جراء العقوبات المفروضة من الغرب في إطار الحرب الاقتصادية التي تعيشها روسيا، وفي معالجة سريعة لمعالجة هذا الانهيار أمام الدولار، حدد الرئيس بوتين استراتيجية جديدة لبيع الغاز الروسي للعالم، من خلال اعتماده الروبل الروسي كوسيلة لتسديد الأثمنة المبرمة بالعقود.
– يعتبر أن مطلب الدفع بالروبل هو انتهاك أحادي الجانب وواضح للعقود المبرمة من جانب روسيا، لأن العقود المبرمة لاتزال سارية المفعول طالما الطرفين لم يتوصلا إلى إبرام اتفاقات جديدة.
– يعتبر الخبراء والمتابعون لعملية شراء الغاز بالروبل أنها عملية غير ممكنة، بظل العقوبات المفروضة على روسيا وحملتها العسكرية على أوكرانيا، وبالتالي الشركات ستتعرض لعقوبات كبيرة.
– تحاول روسيا التعامل مع موضوع العقوبات على أنه خلاف اقتصادي وبعيد عن الخلاف العام بسبب الحرب التي تشنها روسيا ضد اوكرانيا، فإن التوقف الروسي أمام مسألة العقود ومحاولة البيع بالروبل هي محاولة روسية جديدة، لا بعد الإشكالية الأساسية التي فرضتها عليها من جراء العقوبات باعتبار أن قضية الغاز لا يجب أن تدخل في السياسية.
– تحاول الحكومة الروسية من خلال قرار الرئيس الروسي التذاكي على العالم،لأنها تحاول حل المشاكل الداخلية نتيجة انهيار العملة الداخلية في العمل السريع على تثبيت الروبل، مقابل الخسائر التي تلقاها الاقتصاد الروسي، مما يزيد الطلب على الروبل.
– إذن مشكلة بيع الغاز الروسي لايمكن لها أن تحل المشاكل الداخلية، بل هي خارجية.
والسؤال المهم الذي يطرح نفسه، لماذا يريد الروس بيع الغاز بالعملة المحلية، لأنهم بحاجة للعملة الصعبة التي أضحوا بحاجة فعلية لها لتأمين مشترياتهم الاساسية، “الصناعات الحربية، والأغذية “. وبالتالي فالروس لا يمكنهم تثبيت الأسعار على الروبل لحل مشاكلهم الداخلية، بظل عدم الاستقرار والضغوط التي تفرض على موسكو، لأن ارتفاع سعر صرف الروبل سيؤدي إلى خسائر كبيرة للنظام الروسي.
إذن الغرب يصر على أن خطوت بوتين استعراضية من أجل الخطاب الداخلي، وليس له أي حظوظ بظل استمرار الحرب وتدهور الاقتصاد الروسي. إذن، إن استراتيجية الغرب تقوم على عدم فتح أي منفذ للاقتصاد الروسي يستطيع أن يلتفوا بواسطته على العقوبات في تأمين أموال لتأمين الحرب، وبالتالي فإن الغرب سيتحمل الأزمة القائمة، وسيعمل على تأمين البدائل القادمة لاستيراد الغاز من نيجيريا وكوريا الجنوبية ومصر وإسرائيل وأمريكا وقطر. والتشاور مع فنزويلا بهذا الخصوص، بالإضافة إلى الغاز الإيراني الذي سيؤمن بحال إبرام الاتفاق النووي القادم مع إيران، ولكن هناك طريق للغاز والنفط سيؤمن بحال أعطت السعودية والإمارات حوافر بما يتعلق بالأزمة اليمنية والسورية، وبالتالي ستعمل الاستراتيجية الامريكية على الضغط لتعويم الأسواق وكف يد روسيا وقطع شريان الحياة الذي تبتز به الغرب.
بالنهاية، سيتحدد الموقف الأوروبي بالتالي من خلال موقف رئيس لجنة البوندستاغ للطاقة وحماية المناخ، كلاوس إرنست، بإن دول الاتحاد الأوروبي يمكن أن تدفع تقنيا مقابل إمدادات الغاز الروسي بالروبل، لكن هذا سيجبرها على التحايل على العقوبات الخاصة بها. وعلى هذا الأساس، فإن هذا يمكن أن يزيد من “إحماء المناقشات حول مقاطعة ناقلات الطاقة الروسية”.
من هنا، كان موقف الدول السبع ثابث. لأن المجموعة ترفض الدفع بالروبل. ليتم تأكيد كل السيناريوهات، بما فيها خيار قيام موسكو قطع الإمدادات.
إذن، لم نأخذ في الاعتبار الدوافع السياسية للدول غير الصديقة لاستيراد الغاز الروسي، فمن وجهة نظر اقتصادية، لا يمكنهم بالتأكيد رفض إمدادات الغاز من روسيا، وذلك ببساطة لأن حصتها في إجمالي حجم الإمدادات إلى دول الاتحاد الأوروبي تتجاوز 40 ٪ ، واستبدال مثل هذا الحجم سيكون من الصعب حاليا.
لذا يشكل موقف القيادة الروسية أساسا في اتباع هذه السياسة كورقة للضغط على الغرب، مما يتعين على الدول الأوروبية شراء الروبلات من بورصة موسكو وتحويلها إلى حسابات المصدرين الروس في البنوك الروسية، وبالتالي دفع ثمن الغاز الذي يتم توفيره لهم. إذا استمر بيع الغاز مقابل الروبل، فإن الخطوة المنطقية التالية يمكن أن تكون توسيع تجارة الصرف في عقود الروبل لتوريد الغاز إلى الدول غير الصديقة.
وإذا اتبعت دول الاتحاد الأوروبي نهجا سياسيا جماعيا، فسيكون ذلك بمثابة انتحار اقتصادي، لأنه بعد ذلك، سترتفع أسعار الطاقة بشدة لفترة قصيرة لتسجل مستويات قياسية من النفط عند 160-180 لبرميل برنت، عند 4000-4500 لكل ألف مكعب. أمتار. الغاز. ولكن حتى هذه الأسابيع أو الأشهر القليلة التي شهدت أسعار طاقة قياسية، ستكون كافية لإطلاق آلية أزمة دورية عالمية، على غرار نموذج عام 2008″.
يبقى السؤال المهم في الاستراتيجية الروسية لاستخدام سلاح الغاز بوجه الغرب، بل فشل كل الاحتمالات الحالية التي تفرض على الرئاسة الروسية قرارا سياسيا غير قرار الإمداد وإقفال الأنابيب، مما سيشكل لروسيا أزمة اقتصادية كبيرة لاحقا، وخاصة إذا استمر تفشي وباء كورونا في الصين، بحال أقفلت الدولة، مما سيعكس نتائج الكساد على روسيا وتهريبها للنفط والغاز للصين.