الجالية المغربية في إسرائيل.. هذيان إيديولوجي جانح نحو الأسطورة
د. خديجة صبار
ما المقصود بالجالية المغربية من أصول يهودية في إسرائيل؟
من السهل مواصلة التقوقع في آراء مسبقة مريحة واستنساخها في مناقشات مبتذلة أكثر بكثير من فحص صحة وحقيقة الكلمات والمصطلحات التي تشكل قاعدة ومنطلقات التفكير، والنبش في منابعها، باعتبارها تفكر بنفسها عبرنا أكثر مما نفكر بها نحن بتعبير مارتن هايدغر. التعامل مع هذا اللفظ يشوبه الكثير من اللبس: والذين يطلق عليهم اليوم ” جالية مغربية في إسرائيل” لم يعيشوا قط في المغرب بل هم أبناء الصهاينة الذين اختاروا عن طيب خاطر الهجرة والاستقرار في” أرض الميعاد” على حساب السكان الفلسطينيين، وحملوا معهم كل ما يملكونه من الثروة التي اكتسبوها في المغرب، ليستثمروها في الأرض المحتلة، ألم صرح بن غوريون وقتها أنه لا يريد ثقافة مغربية في إسرائيل لأن”اليهودي المغربي قد تشرب كثيرا من العربي المغربي !” وهذه ” الجالية “هي الأكثر وحشية وضراوة في ممارسة القتل والتدمير في فلسطين.
كتب علال الفاسي عام 1956، رافضا هجرة اليهود المغاربة موضحا أن بفعلنا هذا:”مكنا إسرائيل بمآت من الصهاينة الأصحاء الأقوياء الأغنياء لتعمير الأرض العربية ومحاربة إخواننا العرب”.
والحقوق المعترف لهم بها كمواطنين مغاربة طبقا للمنطق السليم، تفرض عليهم واجبات البقاء في المغرب والمساهمة في تطويره إخلاصا للوطن وللوطنية، لا الانصياع وراء تشجيع الهجرة الصهيونية التي جعلت من المغرب ميدانا للتجنيد والتجميع الاستيطاني المشكل عبر مسار طويل من الهجرة، بدافع من الحركة الصهيونية، شأن العديد من الذين أخلصوا للوطن، وهم الوجه المشرق والإنساني لجماهير اليهود التي تدرك معنى الظلم والاضطهاد، ومنهم أبراهام السرفاتي وشمعون ليفي وسيمون أسيدون المناضل المناهض للتطبيع، والأديب إدمون عمران المالح- المغربي اليهودي لا اليهودي المغربي كما كان يحب أن يسمى- الذي ناهض الصهيونية ولم يعترف يوما بإسرائيل بل كان يؤكد:” لا أعرف أي دولة اسمها إسرائيل. وعارض الصهيونية ولم ينصع لدعوتها المشجعة على الهجرة اليهودية، وأصدر عام 2004 تعليقا على مجزرة جنين بيانا بعنوان “أنا أتهم” يدين فيه الوحشية الإسرائيلية، معتبرا الصهيونية حركة عنصرية تتباهى بقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، وهي جرائم تتنافى والديانة اليهودية، متخذا من الكتابة سلاحا لفضحها. وكان يرى في” هجرة اليهود المغاربة كارثة بالنسبة لتاريخ المغرب، وليس فقط بالنسبة لليهود أنفسهم لكن للمغاربة ككل”.
الصهيونية حقيقة استعمارية، والصهاينة كيان إرهابي مغتصب اقتلع الجزء الأكبر من الفلسطينيين من أرضهم وقراهم وحولها إلى وطن له، وحبس من بقوا في أماكنهم بعد تأسيس الدولة في حدود حكم عسكري. ولن يمحو التطبيع احتلال أرض شردوا أصحابها وحولوهم إلى لاجئين وسكان مخيمات. والجالية المغربية الموجودة في إسرائيل مجرد حجة ملفقة، اليهود المغاربة الذين يعيشون في وطنهم المغرب هم الجالية اليهودية المغربية المتجذرة في التربة الوطنية. انقرض الاستعمار من كل مكان، ووحدها إسرائيل تتحدى مصيره وتجعل منه استعمارا استيطانيا لأرض اغتصبتها بالغزو والتصفية العرقية والعدوان، بناء على الترويج لرواية تاريخية وآليات إنتاج معرفة مبنية على أساطير لاهوتية مزيفة للحقائق الجغرافية والتاريخية. وحدها السردية الصهيونية تمكنت من تكييف عملية السلام بما يتناسب وأفكارها، وبتنا أمام تخاذل يتناغم صداه اليوم بين الخليج والمغرب، مهندسوه الحقيقيون قوى الاستعمار الغربي ممثلة في أمريكا وحلفائها. التواطؤ بين إسرائيل والغرب لا تقف دولة الاحتلال وحيدة؛ هناك تواطؤ بينها وبين الغرب. فهي وكيلته في قلب الشرق، جهاز يختفي وراءها الاستعمار الجديد: استعمار الابتزاز والنهب بعد استعمار الإبادة، واستمرارها متعلق به، إذ تمثل رأس جبل الثلج من مشروع الإخضاع والسيطرة لكل العالم العربي والإسلامي- العدو التاريخي للغرب- الغنية أرضه والأكثر قدرة متى وعى واستيقظ أن يصوب بوصلة العالم. فالكيان قاعدة عسكرية متقدمة للقوى الإمبريالية العالمية تقودها أمريكا من أجل الحفاظ على مصالحها الحيوية. من هنا استمرار الرعاية اللا محدودة التي تحظى بها دولته، وحفظ أمنها ووجودها الذي لا يمكن التفاوض عليه كما صرحت المستشارة الألمانية “أنجيلا مركل” عام 2008. وحياد الغرب يعني ضياع إسرائيل، وضياع إسرائيل يعني ضياع أهداف الغرب، فهي في الواقع القائد لمشروع هدفه ابتلاع القدس وفلسطين بأكملها وصولًا إلى المنطقة العربية والسيطرة عليها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا. وصف هرتزل الذين كانوا يريدون الجمع بين اليهود وغير اليهود بالحالمين من ذوي النوايا الطيبة بقوله:” إن الأخوة الكونية ليست حتى حلما جميلا، الخصومة ضرورية لدفع جهود الإنسان الكبرى”. وليس هناك ما هو أكثر عدوانا وتواطئا من حل مشكلات يهود أوربا بظلم الفلسطينيين واغتصاب حقوقهم، ألم يعلن أرنولد توينبي أن الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل في حق العرب أكبر وأسوأ من الجريمة التي ارتكبتها النازية في حق اليهود؟.
المعركة مع إسرائيل ومن ورائها الغرب طرف أساس في معسكر العدو، بها يأمن على مستقبله وامتيازاته. وكلما تقدمنا خطوة نحو الوحدة تقدمت إسرائيل لتضربها بغير الوحدة، بتفكيك العلاقات العربية البينية لتذرير التماسك الاجتماعي. استراتيجية الكيان هي منع أي تحالف عربي محتمل، والتطبيع حلقة من هذه الإستراتيجية، هدفه تأبيد الاحتلال والانقسامات وإدامة الصراعات الطائفية والمذهبية وإثارة الفتن لإضعافها بشتى الطرق، فلا سلام ولا أمن ولا ازدهار ولا حرية ولا ديمقراطية ولا تقدم يرجى من دولة تقوم على أنقاض شعب بكامله، لتسرح كما تشاء وتضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية بالمزيد من العدوانية والتعنت. نذكر أن عصر النهضة والإحياء الحضاري في أوربا لم يبدأ إلا بعد أن تمكنت من تحرير نفسها من براثن السيطرة اليهودية، وحصرت جالياتها بعد حركات التهجير الكبرى داخل أحياء سميت ب الغيتوهات. لن تتخلى إسرائيل عن الإيديولوجية الصهيونية الاستعمارية التوسعية ولن تكف على أن تكون رأس جسر للإمبريالية الغربية؛ فالتوسع هو حياتها وهدفها المعلن وأي قبول غير ذلك فهو انتحار بطيء لها. ومجرد التفكير ببناء علاقة معها من باب التكتيك أو الاعتماد عليها في العلاقة مع الغرب أو الوقوف مع العرب في قضايا فرعية وهم، وأخطر بكثير على الأمن العربي والقضية الفلسطينية.
العلاقات العربية مع الصهاينة يعلوها سخط شعبي، والاعتماد بات كليًا على الشعب الفلسطيني وصلابة إرادته في المقاومة، إلى جانب الشعوب العربية والمحور الذي يسير في سياق مضاد لتوجهات المطبعين حيال قضايا المنطقة، ورفض الشعوب العربية التعامل مع الكيان بكافة أشكاله وصوره ثابت بخلاف الحكام العرب الذين يختلفون اختلافًا تاماً مع شعوبهم، حفاظا على مزاياهم وإرضاء لأمريكا صاحبة الفضل في ضياع القضايا العربية والإسلامية. والمطبعون اليوم يتيحون الفرصة غدا لإسرائيل لتهاجمهم في عقر دارهم بدعوى حق المتابعة في المدينة وبساتينها (…) أما الذين يضنون أن التفاوض أو إقرار سلام دائم معها أو إنهاء الحرب فواهمون، لأن إسرائيل تعني بداية إمبراطورية تؤسس بالعنف، وقنطرة عظمى للاستغلال الرأسمالي الغربي لخيرات العرب وأفريقيا وآسيا. قبلت أن تكون قنطرة للاستعمار الغربي مؤقتا- وقبولها هو سبب وجودها- وترى فيه رفيق طريق ليس إلا، فمتى استطاعت أن تصبح قوة دولية بسيطرتها على ممرات البحر الأحمر والأبيض البرية والبحرية والجوية، من الذي يمنعها أن تأخذ ذلك لنفسها وتتصرف فيه حسب مصلحتها هي، لا حسب مصالح الغرب. إذا كانت إسرائيل أمرا واقعا، فدور الإنسان الحر هو أن يعرف كيف يقول لا للأمر الواقع. نذكر هنا بجواب زعماء جبهة التحرير الجزائرية: “سنحارب حتى لو كنا سعداء في ظل الحراب الفرنسية”.