محور الممانعة.. وأرانب نبيه برِّي

محور الممانعة.. وأرانب نبيه برِّي

حسين عطايا

   لم تصل السياسة في لبنان يوماً إلى درجة الانحطاط والإسفاف في التعابير الى الدرك الذي تعيشه اليوم .

  ففي ظل تفاقم الازمة المعيشية والاقتصادية، ينبري رئيس مجلس النواب نبيه بري لفتح جدال في غير مكانه وإيصال لغة التخاطب السياسي إلى مستوى لا يليق بمن يحمل صفة المسؤول أيا كان، واستعادة لغة طائفية كلفت لبنان حربا دمويا وما زالت تكلفه انهيارات متتالية نتيجة الصراعات على مواقع القرار، وليس رد الفعل أيضا على المستوى نفسه يوصل إلى نهاية وحوار راقٍ، بدلا من التخاطب الذي يؤجج الصراع ولا يترك مكانا للصلح.

  فالمشكلة تكمن في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى أجواء العام 1975 قبيل اندلاع الحرب والصراع السياسي ـــ الطائفي، من اتهام الموارنة بأنهم وراء عدم انتخاب رئيس للجمهورية، بعدما وضحت صورة ترشيح الثنائي الشيعي لسليمان فرنجية، الذي لا تبدو حظوظه العربية والدولية قائمة، وتشويه صورة مرشح المعارضة النائب ميشال معوض، باستخدام عبارات للتنمر واعتباره حسب تعبير بري “تجربة أنبوبية”، واعتبار معاونه السياسي النائب علي حسن خليل رد معوض على كلام بري عنه ووصفه بالميليشاوي، أنه “بلا تربية”، واعتبر عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب فادي كرم “المعركة سياسية بين خطين سياسيين متباعدَين تماماً: محور الممانعة، الذي يريد أن يضم لبنان إلى إيران، والمحور السيادي الذي يسعى إلى تحرير لبنان مما نعيشه اليوم”.

   ظهر واضحا أن تصريح رئيس السلطة التشريعية أمس مؤشر على درجة انسداد الأفق الذي تعاني منه جبهة الممانعة بقيادة حزب الله، وتعبيرا عن عدم قدرتها على فرض مرشحها سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية كما فعلت في العام 2016 مع ميشال عون، وهو الدافع عن كشف حالة الضيق الكبرى التي يعاني منها مشروع حزب الله في لبنان ومحوره، وهو المحرك الأساسي للتصريح الذي أدلى به بالأمس نبيه بري، والذي استعمل فيه عِبارات بعيدة عن أدبيات السياسة، إذ عبر مدى تحكم الفكر الميليشيوي، ويمكن القول إنه سقطة كُبرى لبري جعلت منه طرفا غير قادر على إخراج الأرانب التي كان يُعرف ويُوصفُ بها .بينما جاء رد المرشح النائب ميشال معوض في محله، مذكرا بري بتاريخه الميليشوي ومُشاركته في المنظومة بكل التفاصيل، وذكره بدوره في غزوة بيروت، بينما رد علي حسن خليل المطلوب للقضاء بجريمة تفجير المرفأ هو استكمال للغة الميليشيوية نفسها التي تتحكم بالجزء الأكبر من الطبقة السياسية اللبنانية في كيفية مُقاربتها للواقع السياسي، ودفاعها المستميت عن مصالحها ضاربة بعرض الحائط بمصالح الشعب والوطن .

   وبذلك، تُبرهن “جماعة الثامن من آذار”، والذي يُعتبر نبيه بري الوجه المعبر عنها وإن حاول التلون أحياناً بلون يبعده عن حقيقة شراكته مع حزب الله في كل ما هو مؤذٍ للبنان شعباً ووطناً .

   فحقيقة الأزمة التي يُعاني منها محور الممانعة من حزب الله إلى طهران مروراً بسوريا والعراق واليمن، يدل على المأزق البنيوي والحقيقي الذي يُعانيه محور الممانعة في كُل تفاصيله وبرامجه، ودليلا على حالة الفوضى والهلع التي يعيشها أركان هذا المحور على كل الأصعدة، فالعودة للاتفاق النووي قد أصبح من الماضي، وصحوة الأوروبيين والأمريكيين على بشاعة النظام الإيراني وأذنابه، ليست من محبة أو غيرة على ما تقوم به إيران في الوطن العربي، لا بل نتيجة دخول إيران شريكاً في الحرب الروسية ـــ الاوكرانية، وما لذلك من تبِعات على الوضع الأوروبي، أي لأن إيران بشراكتها مع فلاديمير بوتين تخطت الخطوط الحمر في القارة الأوروبية، وبالتالي هي شريكة في قتل الأوروبيين، وهذا ما حرك الوضع على الرغم من أنه لايزال خجولا ودون المستوى .

   فالاتحاد الأوروبي لا زال غير واضح في فرض قراره على دول الاتحاد في تصنيف الحرس الثوري فصيلاً إرهابياً، وكذلك لا زال يجتمع ويلتقي مع جماعة الحوثي في اليمن، دون تصنيفه إرهابياً، على الرغم من كل ما يقوم به من تجاوزات وأعمال تلحق الضرر بمواطنيه اليمنيين .

   من هنا، فإن تصريح نبيه بري بالأمس هو انعكاس لكل الضيق والأزمات التي يُعاني منها محور الممانعة، وانكشافه عجزه في أكثر المحاور التي كان لها الدور الفاعل والأكبر في فرض شروطه من قبل.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *