بمناسبه اليوم العالمي للشعر.. وقفة مع نزار قباني

بمناسبه اليوم العالمي للشعر.. وقفة مع نزار قباني
 
عبد العلي جدوبي
 
   اعتمد المؤتمر العام ليونسكو العام 1999، كما هو معلوم، يوم 21 مارس من كل سنه يوما عالميا للشعر، وفي ذلك اعتراف بقيمة ومكانة الشعر لدى الناس، فهو لغه الكشف والبوح والتعبير عما يخالج الشعور والوجدان من أحاسيس تجاه شؤون المجتمع وقضاياه في كل مكان وزمان، والشعر في جوهره هو تعبير عن الذات مهما قيل عن مهماته الأخرى، وبمقدار ما هو تعبير عن الذات فهو أيضا سمات الشخصية القومية، وقديما قيل”الشعر ديوان العرب”، ويصح هذا القول على الشعر حين يؤخذ بمجموعته وتياراته كافه..
   وبمناسبه اليوم العالمي للشعر، الذي يصادف الذكرى الخامسه والعشرين لرحيل الشاعر نزار قباني، نستحضر بعضا من آراء هذا الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بأشعاره، على امتداد ما يزيد على نصف قرن، كان خلالها أكثر الشعراء إثارة للجدل، والشعر عند نزار، كما يقول، “بات رديفاً للخبز والهواء والحريه.. والشعر الذي لا يمتلك وسائل الحياة هو الشعر الذي ينقرض، وأنا تمكنت من نقل الحب من الغرف المغلقة، وأخرجته  إلى الشوارع والحدائق العامة المزهرة.. وأخرجته من المحرمات إلى القداسه..” يضيف نزار قباني.
 شكَّل نزار قباني ظاهرة فريدة يحتاج النقاد والدارسون إلى سنوات طويله لكي يتبينون معالمها ويقفون على سر علاقتها النادرة بالجمهور، ففي زمن عزلة الشعر وانحصاره، وفي زمن يكاد الشعراء يصبحون فيه شبه غائبون، يتقدم نزار واجهة المشهد، ويحلق حول ملايين من الشعراء والمتابعين والمعجبين من كل المشارب والأعمار والشرائح للاجتماعيه..
   فهل يمكن والحالة هذه أن تكون ظاهره نزار قباني مجرد حالة عابرة؟
وهل الموضوع الجنس عند نزار وحده رفع الشاعر إلى الدرجة التي بلغها؟؟
   ولماذا لم تستطع 50 سنه من الحروب والثورات والكوارث العربية أن تسقط نزار عن عرش الشعر، فشعبية نزار لا تتغذى من براعته في استخدام الصورة، لا من دغدغه موضوعات المكبوت الجمعي، الذي يضغط بكل قوة على مشاعر البشر ويشل الكثير من طاقتهم وقدراتهم، بل ثمة عوامل أخرى لا تقل أهمية وتأثيرا على هذين العاملين، وتأتي اللغه الشعرية  في طليعة هذه العوامل، فكما أسهم نزار في تغيير العديد من  المفاهيم البالية،  ورفع منسوب الأنوثة والجمال إلى حدودها القصوى، فإنه أسهم بالقدر نفسه في تخليص اللغة الشعرية العربية من القواعد الجامدة، وباتت القصيدة تتسع لألفاظ ومفردات كانت تعتبر حتى وقت قريب سوقية ومبتذلة، 
   هذه الثوره اللغوية التي قادها نزار قباني، هي التي مكنته من احتلال موقعه المتميز في حركه الشعر العربي الحديث، واحتفظ لنفسه بمسافة عن الشعراء الآخرين حين قاد حداثة بعيدا عن النخبة، والتعقيد، ونحا بها إلى لغه مبسطه ومفهومة تستفيد كثيرا من الخطابات اليومية.. يقول نزار قباني في إحدى مقالاته:
   “إنني مع الولادة الطبيعية وضد العمليات القيصرية، اللغه كل يوم  تتجدد وبشكل طبيعي وتتطور، وليس بإمكاننا أن ننسف لغه كما ننسف بناية،  وإلا أصبحنا إرهابيين،  ويضيف: “كانت لغه الشعر متعالية ومتعجرفة وبيروقراطية، لا تصافح الناس إلا بالقفازات البيضاء.. لقد أصبح النص شعري لا يليق بالحدث السياسي، وأصبحت قامة بعض الشعراء تحت الصفر، تحت الشعر، وانتصر السيف على الشاعر”،
والشاعر كما نعلم مرتبط يقول نزار  بالأمة، وبالجسد الإنساني كميائيا وعقليا ونفسيا.. إن أهميه الشاعر تبقى في أن الفكر العظيم والروح العظيمة التي تستعل نارها في قصائده صعبة الانطفاء..
   وفي هذا السياق يرى الأديب والشاعر اللبناني الكبير شوقي بزيع في مقالة له بمجله “العربي” إن البنية القصصية في شعر نزار قباني، تكمن أن هذا الأخير عرف كيف يوظف الحكاية والقصة القصيرة  بمهارة، وكيف ينفذ إلى مشاعر الناس إلى أبعد الحدود ،من خلال عناصر السرد والاخبار والحوار، فالقصيده  النزارية لا تنبني حول الأفكار والصور والجمل المبهمة والمجرده فقط، بل حول البشر والعلاقات الإنسانية، فحيوية هذه  القصيدة، يعود إلى ترابطها العضوي، وتآلف عناصرها عبر ذلك الخيط السردي، الذي يمدها بأسباب التشويق والإمتاع ولفت اهتمام القارئ.
 
Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد العلي جدوبي

صحفي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *