الثورة السورية في خضم حرب أوكرانيا
فؤاد إيليا
مرعب هذا الانكفاء الذي تعيشه الثورة السورية، بعد عقد من الزمن عاشه الشعب متحملا القتل والتهجير والاعتقال والتشرد. والملاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت تعج قبلا بالأمل والحديث عن انتصار الثورة، تعيش اليوم الصمت والخيبة واليأس وحتى الضياع. والكثير من المتحدثين عن الثورة يحلو لهم الحديث عن انتكاسة الثورة أو فشل الثورة، أو حتى سرقة الثورة. ويكثر النقد إلى درجة جلد الذات، خاصة لمن تصدى إلى قيادة الثورة من النخبة والسياسيين والأحزاب السياسية، التي تتهم بأنها ركبت الثورة ولم تستطع أن ترسم طريقا صحيحا للنصر.
ويغيب عن فكر الكثير من المنتقدين أن الثورة تمر بمراحل متعددة، بصعود وهبوط، وبانعطافة هنا أو هناك، ومسار صحيح في فترة ومراحل متعددة. في فترة أخرى تمر بضياع في متعرجات الطريق. وابرز ما يمكن ان يقال عن الثورة السورية، إنها استمرت حتى الآن، بالرغم من الصعوبات التي رافقت مسارها، ولم يتمكن النظام وحلفاؤه من القضاء عليها. فأثبتت بذلك المقولة التي تقول إنه “لا يمكن للمستبد أن ينتصر على شعبه”. وما ادعاء النظام بالانتصار إلا وهم يعيشه، ولابد من أن يزول هذا الوهم ويتلاشى وتزهر الحقيقة.
لقد أطلقت حناجر الشباب صيحتها مطالبة بالحرية. وما زالت هذه الحناجر ترفع الصوت عاليا في الجنوب، السويداء ودرعا، في الشمال حلب وإدلب، في الشمال الشرقي حيث تبرز قوة التصدى لقوات الأمر الواقع في تلك المنطقة، رافضة هذه التوجهات الشمولية التي تزهر فيها. والأكثر من ذلك أن العديد من السوريين المتواجدين في الشتات يسعون بجدية إلى تجاوز الخلافات بينهم ويحاولون الالتقاء على نقاط مشتركة، تساعدهم على بناء وطن حديث يحقق المواطنة والمساواة بين جميع السوريين.
وبالرغم من حالة الجمود التي نعيشها، واستمرار الأزمة السورية، خاصة في خلال الأيام الماضية، حيث سيطرت أحداث أوكرانيا على عالم السياسة، ومع ذلك استطاعت الثورة السورية أن توجد لنفسها موطئ قدم في الأحداث، بسبب سلوك المحتل الذي دافع عن النظام، وسعى إلى تأييده، مستخدما القتل والتدمير وقوة السلاح، تماما كما يفعل في أوكرانيا، حيث الكثير من المحللين يربطون بين ما قام به الاحتلال الروسي من قصف للمدارس والمشافي وقتل المدنيين، وتدمير المنشآت المدنية في حلب ودير الزور والرقة وحمص، وبين ما يفعله اليوم في ماريبول وخاركيف وغيرها من المدن الأوكرانية.
إن النقد الذي يطال الائتلاف ومؤسسات الثورة المصنعة، يؤكد أن هذا الشباب الذي كسر حاجز الخوف ورفع شعار الحرية، يسعى جاهدا إلى لملمة جراحه، ويسعى عبر فهم جديد لمعنى الثورة إلى تشكيل رؤية وطنية حقيقية، بعيدة عن عقلية الثأر والانتقام التي سيطرت على من قاد مؤسسات المعارضة خلال المرحلة السابقة. إذ يدرك الشباب الآن أن الوطن يبنى بأيدي أبنائه على أساس المشاركة الحقيقية، بعيدا عن الإيديولوجيات التي سيطرت على عقول النخبة خلال المرحلة السابقة.