من سينتصر في حرب أوكرانيا..؟
فؤاد إيليا
يقول بعض المؤرخين أن حرب القرم التي جرت عام 1835هي الحرب العالمية رقم صفر، فقد شاركت فيها تسع دول كبرى في حينه، واستمرت حتى العام 1856، وانتهت بخسارة القيصرية الروسية أمام الجيوش العثمانية التي تلقت الدعم من مصر، تونس، سردينيا، والمملكة المتحدة البريطانية.
وتشير الوقائع التاريخية إلى أن روسيا خاضت أكثر من 150 بهدف السيطرة على أوكرانيا. ولم تتمكن من ضمها إلا في الفترة التي سادت بها منظومة الفكر الشمولي في روسيا، حيث تم القبض على زمام الأمور بيد من حديد. بدءا من ستالين، وصولا إلى بريجنيف وخورتشوف. ولم يشعر الأوكرانيون بحريتهم، إلا بعد أن تفكك الاتحاد السوفيتي، ليظهر التباين بين الروس والأوكرانيين القوميين.
استمرت روسيا تحلم بالوصول إلى المياه الدافئة منذ عهد القياصرة وحتى عصر البلاشفة. وكانت القرم هي الجغرافيا التي يمكن لروسيا ان تحقق فيها هدفها، بحيث تتمكن من بناء أسطول بحري يجوب البحر الأسود ومنه إلى المتوسط.
بعد وصول بوتين إلى سدة الرئاسة، كان عليه أن يتابع حلم القياصرة والبلاشفة بالوصول إلى المياه الدافئة، وكان له أن يستغل أحداث 2014 في أوكرانيا ليحكم السيطرة على شبه جزيرة القرم، وكان قد أعاد جورجيا إلى الحظيرة الروسية، بفرض حكومة تابعة له، بعد تدمير الشيشان والتحكم في بيلاروسيا، بهدف تحقيق التوسع على حساب هذه الشعوب التي أرادت أن تمتلك حريتها بعد سنوات الحكم الشمولي الطويل الذي عاشته تحت لواء ثورة 1917 وما تلاها.
يريد بوتين بذلك أن يعيد روسيا إلى واجهة السياسة الدولية، بعد فقدانها هذا الدور منذ انهيار جدار برلين، ومن ثم تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1990، مستخدما القوة العسكرية التي تملكها روسيا، والتي جرب فعلها في الشيشان وفي سوريا، مستفيدا من صمت العالم عن كل هذا السلوك الإجرامي الذي مارسه في سوريا.
لقد اعتمد بوتين على الرأي الذي يقول إن “الدول التي تبدأ الحرب تربح غالبا وتحسن وضعها الاستراتيجي كثيرا من خلال ذلك”. وهو ما جاء في كتاب عالم السياسة الأمريكي جون ميرشايمر “ماساة سياسة القوى العظمى”.
لكن حساباته لم تكن صحيحة، بالرغم من أنه كان يدرك أن الغرب بكامله لا يمكن أن يتغاضى عن محاولاته السيطرة على أوراسيا، هذه المنطقة التي تحدث عنها المفكر الاستراتيجي زبغينو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر، في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى”، إذ قال: “إن اوراسيا هي رقعة الشطرنج التي يستمر فيها الصراع على السيادة العالمية، علما أن الصراع يتضمن الجغرافيا الاستراتيجية، أي الادارة الاستراتيجية للمصالح الجيوبوليتيكية”.
يدرك بوتين أن روسيا لا يمكن لها أن تكون دولة عظمى وندا للولايات المتحدة الأميركية، إلا بالسيطرة على أوكرانيا التي تعتبر قلب أوراسيا. لقد فتحت المعركة بين نظامين، نظام العالم الحر، ووريث النظام الشمولي، وعلينا أن نعرف أن فلسفة الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس رونالد ريغان تقوم على أن جوهر الصراع بين النظامين الأمريكي والسوفياتي، يكمن في هيكل النظام السوفياتي وسياساته، وعلى هذا فقد تصوروا أن الصراع لا يحل إلا بموت أحد النظامين.
ها هو رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون يتجول في شوارع كييف مع رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلنيسكي، ويرسلان رسائل إلى العالم، إن الغرب لن يسمح أن تسيطر روسيا على أوكرانيا، وها هي أشكال التحالفات تتوضح شيئا فشيئا، إذ يعود الدفء بين الولايات المتحدة وتركيا، التي تقف في الوسط بين روسيا والولايات المتحدة.
وها هي أوروبا تعزز علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد أن كانت التباينات واضحة بينهم. عالم جديد بدأ يتكون الآن، فهل ستطول المعركة? أم أن انتصار الحرية قادم؟ هل ينتصر فلوديمير على فلاديمير أم ستعيد مدافع بوتين العالم إلى وهم الانتصارات والهيمنة، التي يتغنى بها المستبدون الذين تعودوا على قتل شعوبهم؟ أو هل تنجح القوى الدولية باعادة الاعتبار لسيادة الدول وفق نمط جديد في القانون الدولي يشبه ما حصل بعد الحرب الكونية الثانية، ويراعي التغييرات الحاصلة في الالفية الثالثة؟