كيف اغتال السلفيون البخاري ثم قدسوه؟

كيف اغتال السلفيون البخاري ثم قدسوه؟

أحمد الرمح

نعم، السلفيون اغتالوا البخاري ثم قدسوه، إن أكثر تيار أو مذهب، أو جماعة أساءت إلى الإسلام هم السلفيون، فهم بسطحيةعقولهم سطَّحوا الدين وأفرغوه من محتواه الإنساني، ولا همّ لهم إلا همهمات دينية وألفاظ يظنون أنها روح العقيدة، وهمُّهم الآخر شكليات العبادة لا روحها. ويغيب عن عقولهم عامل العصر، فهم يريدون من الناس أن يساكنوا الماضي، ويطلبون منا أن نعيش في لباسنا وهيئاتنا في القرن الثامن الميلادي، لا القرن الحادي والعشرين، فعامل الزمن عندهم متعطل، كل شيء عندهم بدعة، إلا ما يخدم عقولهم المسطّحة، وبصراعهم مع الجميع أساؤا إلى الإسلام، وحتى البخاري، الذي هو شاهدهم ومقدسهم اليوم، لم يسلم من شرهم وحقدهم. فهم الذين يتعاملون معه الآن كأسطورة، وهو قرآنهم الحقيقي، حيث يقدمونه عمليا لا نظريا على القرآن. لذلك إذا سمعت أي محاضرة لشيخ سلفي ستجد أنه يستشهد بعشرات الأحاديث، ولا يذكر إلا آية أو اثنتين.

وحينما أتحدث عن السلفية فإني أعرفهم جيدا، لأنني كنت سلفيا لمدة ست سنوات، وهم يعرفونني تماما.

عندما لمع نجم البخاري وخالف مذهبهم اغتالوه شر اغتيال. ولما انتشر علم الكلام المذهب الماتريدى في الاعتقاد، وجاء المعتزلة وجعلوا من البخاري صنما، فقدسوه بعد أن اغتالوه معنويا.

اليوم، لو قال أي واحد منا عن حديث للبخاري، أن هذا الحديث ليس صحيحا أو مخالفا للقرآن،  سيتهمونك بالكفر والزندقة، وأنك ضد السنة، بينما هم أول من آذى البخاري.

من أهم أئمة السلفية تاريخيا، واحد اسمه أبو حاتم، والثاني اسمه أبو زرعة، يقولان عن البخاري، “إن البخاري متروك”، يعني لا يحتج بحديثه. والسلفيون يقولون اليوم عن كتاب البخاري “هو أصح كتاب بعد كتاب الله”. وهذ الجملة جد خطيرة.

لكن من قال هذه الكلمة؟

 إن أول من قالها هو العالم السلفي ابن الصلاح، ونقلها عنه الإمام النووي في مقدمة شرحه لـ”صحيح مسلم”.

كيف اغتال السلفيون البخاري معنويا؟  

القصة يرويها الإمام الذهبي في “سير أعلام النبلاء”، وابن كثير في “البداية والنهاية”، وابن الجوزي في “صفة الصفوة”. وهؤلاء الثلاثة هم من أهم أئمة السلفية حتى اليوم. يقولون:

 زار البخاري مدينة نيسابور، فلما وصل إليها خرج إليه أهلها عن بكرة أبيهم، من العلماء والولاة والعامة، واستقبلوه قبل أن يصل إلى نيسابور بنحو مائة كيلو متر، فشعر البخاري بالراحة نتيجة هذا الاستقبال، فقرر أن يعيش بمدينتهم ويعلم الناس. فحض علماء نيسابور (وكلهم من السلفية) طلبة العلم على الجلوس إلى البخاري والسماع منه، وعلى رأسهم الإمام الذهلي ، وكان الذهلي إمام السلفية في عصره، ومطاعا في خراسان كلها، وكان من شدة حبه واحترامه للبخاري يمشي خلفه في الجنائز. لما أصبح الناس كلهم يذهبون إلى البخاري ليستمعوا له، إلا قلة منهم يذهبون إلى الإمام الذهلي، اغتاظ منه حسدا وحقدا. وبدأ يفتح دفاتر البخاري العتيقة، فتذكر أن البخاري كان من الذين قالوا بـ”خلق القرآن”. فجمع صبيانه من السلفية وبدأوا حملة تشهير بالبخاري على أنه مبتدع ويقول بـ”خلق القرآن” ويخالف السنة،

وبما أن المجتمع النيسابوري مجتمع سلفي، والسلفية ضد “خلق القران” ويعتبرونها مخالفة للسنة، انصرف الناس عنه. فاجتمع سدنة السلفية في نيسابور وقرروا طرد البخاري منها.

وكما يروي ابن كثير وابن الجوزي، خرج البخاري من نيسابور إلى مدينته بخارى، ولكن الاذى السلفي لاحقه إلى بخارى، حيث ارسل الذهلي رسائل إلى مشايخ بخارى يؤلبهم على البخاري، بتهمة مخالفة السنة (سبحان الله)، فأخذ مشايخ السلفية قرارا من والي بخارى بطرد البخاري منها، فذهب إلى سمرقند متخفيا مع بعض تلامذته، وقد تمكن منه الحزن والأسى، وكان يدعو على نفسه ليل نهار، قائلا: “اللهم ضاقت علي الأرض بما رحبت، فاقبضني عاجلا غير آجل”.

يقول تلامذته: بقي يدعو بهذا الدعاء ليل نهار على نفسه لمدة شهر، ولم يمض الشهر حتى ارتقت روحه إلى باريها.

هذا هو البخاري الذي يقدس غلمان السلفية اليوم كتابه، فهم الذين اغتالوه معنويا وهو حي، وقدسوه بعد موته.

هذا الحقد والحسد السلفي انتقل اليوم إلى الظاهرة السلفية. اليوم يأكل السلفيون بعضهم بعضا، فبعد نهاية عصر الصحوة الإسلامية، التي كان فيها السلفيون إخوة متحابين، وبعدما جاء الأمريكان إلى الخليج تحضيرا لحرب الخليج الثانية بعد غزو الكويت، اختلف السلفيون ثم انقسموا  انقسم  إلى قسمين:     

المداخلة أو المدخليون (نسبة إلى الشيخ السعودي ربيع المدخلي)، وحركية /قطبية، “المداخلة” هم الذين يعتبرون الخروج عن الحاكم ومعارضته أكبر الكبائر، أما السلفية الحركية القطبية التي منها السروريون (نسبة إلى الشيخ السوري محمد سرور)، الذين يؤمنون بالعنف كوسيلة للتغيير، حتى أفسدوا الربيع العربي في سوريا وليبيا واليمن وغيرها.

في وصيته قبل موته كان البخاري يقول: لا يسلم عالم متقدم على أقرانه من ثلاثة أمور، طعن الجهلاء، وملامة الأصدقاء، وحسد العلماء.

الخلاصة، هي أنك لو قرأت سيرة أي علم من أعلام هذا الشرق البائس، ستلاحظ أنه إما عاش حياة مأساوية، أو انتهت حياته بطريقة مأساوية، أو عانى من المجتمع بشكل مأساوي.

 

Visited 170 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد الرمح

سوري، مهتم بشؤون الإسلام السياسي