إِسْرَائِيل تُدْخِلَ الطَائِـفِيَة لِلْمَغْرِب
عبد الرحمان النوضة
مِن فَتْرَة لِأُخْرَى، تَحْدُثُ في المغرب تَطَوُّرَات هَامَّة، إِمَّا بِمَنَافِعِهَا، وَإِمَّا بِأَضْرَارِهَا، وإمّا بِمَخَاطِرِهَا الاستراتيجية. لكن شعب المغرب لَا يَعْلَمُ حُدُوثَ هذه التَطَوُّرَات، أو لَا يُحَلِّلُهَا، أو لَا يَفْهَمُهَا. وذلك لأن طَبِيعَة النظام السياسي الـقائم في المغرب، تَجْعَلُه لَا يَقْبَل بِأَن تُوجَدَ في المغرب مَنَابِر إِعْلَامِيَة، مُتَمَيِّزَة بِكَـفَاءَتِهَا، وَبِاسْتِـقْلَالِهَا، وَبِنَزَاتِهَا، وَبِتَنْوِيرِهَا. ولأن هذه المَنَابِر الإِعْلَامِيَة المغربية، حَتَّى وَإِنْ وُجِدَت، لَا تستطيع أن تُخْبِرَ الشعب بِحُدُوثِ هذه التَطَوُّرَات، أو أن تَشْرَحَ له أَسْبَابَهَا، وَأَبْعَادَهَا، وَدِينَامِيَتَهَا، وَنَتَائِجَهَا المُحْتَمَلَة في المُسْتَـقْبَل. ولأن مَا مَارَسَتْهُ دولة المغرب مِن قمع سياسي، على اِمْتِدَاد عشرات السِنِين، أَدَّى إلى القَضَاء على الصحافة المُسْتَـقِلَّة، أو الوَطَنِيَة، أو التَـقَدُّمِيَة، أو النَاقِدَة. وَلم تَبْـقَ في المغرب سِوَى المَنَابِر الإِعْلَامِيَة الخَاضِعَة، أو المُوَالِيَة لِلنِظَام السياسي الـقائم، أو اليَمِينِيَّة، أو الرَّدِيئَة، أو المُنَاصِرَة لِلرَّأْسَمَالِيَة التَبَعِيَة. وَمُعْظَمُ هذه المَنَابِر الإِعْلَامِيَة، بِمَا فيها الإِذَاعَات والتَلْفَزَات العُمُومِيَة والخُصُوصِيَة، تَتَمَيَّزُ بِسَطْحِيَّتِهَا، أو بِرَدَائَتِهَا، أو بِمُغَالَطَاتِهَا، أو بِتَرْدِيدِهَا لِدِعَايَات سِيَّاسِيَة، تُسَبِّبُ لَدَى المُوَاطِنِين الجَهْلَ، أو التَلَفَ، أو الدَّوْخَة، أو السَذَاجَة، أو البَلَادَة. فَغَدَى شعب المغرب مِن ضِمْن شُعُوب العالم التي لَا تَعْرِف، أو لَا تَـفْهَم، مَا يَجْرِي دَاخِل وَطَنِهَا، وَلَا تُدْرِكُ عَلَاقَاتِ وَطَنِهَا بِمُخْتَلَف الكِيَانَات والمُؤَسَّـسَات المَوْجُودة في العالم.
وَأَذْكُرُ بعض الأمثلة مِن بَيْن هذه التَطَوُّرَات التي تَحْدُث حَالِيًّا داخل المغرب: مثل «التَحَالُف الاِسْتْرَاتِيجِي بين الوِلَايَات المُتَّحِدَة الأَمْرِيكِيَة وَالسُلْطَة السِيَاسِيَة التَبَعِيَة في المغرب»، وَ«اِتِّـفَاقِيَة التَطْبِيع المُوَقَّعَة بين دولة المغرب ودولة إسرائيل»، وَتَعْمِيم مَنْح «الجِنْسِيَة المغربية» لِـقُرَابَة 700 ألف «إسرائيلي مِن أَصْل مَغْرِبِي»، وَإِقَدَام دولة المغرب على «تَنْظِيم الطَّائِـفَة اليَهُودِيَة» داخل المغرب، إلى آخره.
وَأَكْتَـفِي في المقال الحَالِي بِتَنَاوُل مَوْضُوعَ إِقْدَام دولة المغرب على «تَنْظِيم الطَائِـفَة اليَهُودِيَة» داخل المغرب. (بَيْنَمَا أَتَنَاوَلُ المَوَاضِيع الأخرى، مثل «التَطْبِيع بين دولة المغرب ودولة إسرائيل»، والتَجْنِيس الجَمَاعِي لِـ «الإِسْرَائِيلِيِّيين مِن أَصْل مَغْرِبِي»، في نُصُوص أُخْرَى، وهي مَجْمُوعَة في الصِّيغَة المُحَيَّنَة مِن كِتَابِي “نَـقْد الصَّهْيُونِيَة”، وَرَابِطُه هو: https://livreschauds.wordpress.com/2017/08/07/نَـقْد-الصَهْيُونِيَة/ ).
وَمِن الصَّعْب على أيّ مُواطِن مغربي أن يَعْثُرَ على أَيَّة قَنَاة تَلْفَازِيَة، أو إِذَاعَة، أو جَرِيدَة، أو دَوْرِيَة في المغرب، تَشْرَحُ له مِن أيْنَ أَتَـتْ هذه الأَحْدَاث، وَإِلى أَيْنَ تَسِير، وَمَا هِيَ خَلْفِيَّاتُها الخَفِيَة، وما هي النَتَائِج التي يُمكن أن تُـؤَدِّيَ إِلَيْهَا. وَيُمكن لِكَثِير من المُوَاطِنِين، وَبِالصُّدْفَة فقط، أن يَـعْثُرُوا، أو أن لَا يَـعْثُرُوا، على هذه الأَخْبَار الهَامَّة.
وَهَكَذَا، حَسَب بَيَان المُتَحَدِّث باسم القصر الملكي عبد الحق لَمْرِينِي، وَفي خِتَام أشغال “المجلس الوزاري” المغربي (الذي يُشارك فيه الملك، وَوُزَرَاء الحكومة)، والذي اِنْـعَـقَـد في القَصْر المَلَكِي في الرباط، في يوم 13 يُولْيُوز (تَمُّوز) 2022، عَرَضَ وزير الداخلية المغربي عبد الوَافِي لَفْتِيتْ، أمام الملك محمد السّادس، مُلَخَّصَ التَدَابِير التي أَعَدَّتْهَا هذه الوزارة، بِهَدَف «تنظيم الطائفة اليهودية المغربية»(!). وتشمل هذه التدابير، «إنشاء مجموعة من الهيئات، مِنْ بَيْنِهَا تَنْظِيم المجلس الوطني لِلطَّائِـفَة اليَهُودية المغربية». [كَأَنّ هذا المجلس هو حكومة مُوَازِيَة خاصّة بِـ «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي»]. «وَسَتَنْبَثِـقُ عن هذا المجلس المذكور لِجَان جِهَوِيَة، تَـقُوم بتدبير القضايا والشؤون اليومية لأفراد الطَائِـفَة اليهودية»(!). وَمِنْ ضِمْنِ مَهَامّ هذا المجلس: «السَّهَر على تدبير شُؤُون الطَائِـفَة اليَهُودية(!)، والمحافظة على التُرَاث، والإشعاع الثقافي، والشعائري، للديانة اليهودية، وَقِيَّمِهَا المغربية»(i). وتشمل هذه التَدَابِير كذلك إِنْشَاء «لجنة اليهود المغاربة المُقِيمِين بالخارج». وهدفها هو «العمل على توثيق روابط اليهود المغاربة في الخارج مع بَلَدِهمِ الأصلي المغرب»(!). وَقَال البَيَان الرَّسْمِي أن «هذه التَرْتِيبَات الجديدة جاءت بعد مشاورات مع ممثلين وشخصيات بارزة من الجَالِيَة اليَهُودية». وَلَا نَعْلَمُ ما هي المَـقَايِيس التي إِخْتِيرَ على أَسَاسِهَا أَوْلَئِكَ «المُمَثِّلِين والشَخْصِيَّات»، هل على أساس الثَرْوَة الرَأْسَمَالِيَة، أَمْ على أَسَاس المَرْتَبَة الدِّينِيَة، أم على أساس الـقُرْب مِن الدُوَل الإِمْبِرْيَالِيَة. وخلال نفس “المجلس الوزاري” الذي يَتَرَئَّسُه الملك، تم اعتماد «مِيثَاق جَديد لِلْاِسْتِثْمَارَات». وهذا «المِيثَاق» هو تَحْيِين لِقَانُون الاِسْتِثْمَارَات المغربي القَدِيم لِكَيْ يَتَكَيَّـفَ مَعَ الحَاجِيَّات الخَاصَّة لِـ «الإسرائيليّين من أصل مغربي».
وَلَا نَـفْهَمُ لماذا أَصَرَّت وزارة الداخلية المغربية على إِنْشَاء «لجنة اليهود المغاربة المُقِيمِين بالخارج»، خَاصَّةً إِذَا عَلِمْنَا أَنَّ 3 أَعْضَاء من بين 35 عضوًا المُكَوِّنِين لِـ «مجلس الجالية المغربية بالخارج» (CCME)، كانوا مُنذ أبريل 2015، وَمَا زَالُوا، «يَهُودًا مِن أَصْل مَغْرِبِي» (وهم رَافِي مَارْسْيَانُو، مدير مركز الجالية اليهودية في باريس، وَدَانْيَالْ عَمَّار، المدير العام للمؤتمر اليهودي الكندي، وَبُولْ دَهَانْ، رئيس مركز الثقافة اليهودية المغربية بِبْرُوكْسِيلْ.
قَدْ يَظْهَرُ حَدَث تَنْظِيم «الطَائِـفَة اليَهُودِيَة المَغْرِبِية»، المُقَرَّر مِن طرف حُكَّام دولة المغرب، «عَادِيًّا»، أو «مُبَرَّرًا»، أو «تَافِهًا». لكن حِينَمَا نَـبْـدَأَ في التَـفْكِير في هذا الحَدَث، نَكْتَشِف أن نَتَائِجَه سَتَكُون خَطِيرَة على شعب المغرب. حيثُ أن هذا الحَدَث يُثِيرُ في الواقع مَشَاكِلَ سِيَّاسِيَة، وَقَانُونية، مُتَـعَدِّدَة، وَمُـعَـقَّدَة، وَمُتَنَاسِلَة، وَغَيْر مُتَوَقَّعَة. وَيَسْتَحِيل على دولة المغرب أن تَقْدِرَ على إِيجَاد حُلُول قانونية، وَشَرْعِيَة، وَمُرْضِيَة، لكلّ هذه المشاكل. وَسَأَعْرِضُ في المقال الحالي بعضَ هذه المشاكل. ومنها القَضَايَا التَالِيَة :
1) إِنَّ إقدام دولة المغرب على المُسَاهَمَة في تـنظيم «الطَائِفَة اليُهُودِيَة» داخل المغرب، يَقُودُنَا، بالضَّرُورَة، إلى نِـقَاشِ بعض إِشْكَالِيَّات «الطَائِـفِيَة»، وَآلِيَّاتِهَا، وَأَخْطَارِهَا المُجْتَمَعِيَة، وَلَوْ بشكل مُوجَز، حَتَّى وَلَوْ ظَهَرَ هذا النـقاش، لِبَعْض الـقُرَّاء المُحْتَرَمِين، غَيْرَ مُبَرَّر، أو غَيْر ذِي صِلَة بِالمَوْضُوع الرئيسي في هذا المقال.
2) كَيْفَ نُعَرِّفُ «الطَّائِـفَة» ؟ نتكلّم عن وُجُود «الطَائِفِيَة» في مُجتمع مُحَدَّد، إِذا كَان هذا المُجتمع يَعْمَلُ بِنِظَام «الطَوَائِـف»، أو بِـ «المُحَاصَصَة الطَائِـفَيَّة» (مثلما هو الحال في لُبْنَان، والعِرَاق). وَنَـقْصِدُ بِمُصْطَلَح «الطَّائِـفَة» المَجْمُوعَة البَشَرِيَّة التي يَتَمَيَّزُ أَفْرَادُهَا بِصِفَات مُشْتَرَكَة (قَدْ تَكُون حَقِيـقِيَّة، أو وَهْمِيَة)، وَتَـكُونُ هذه الصِّفَات مَبْنِيَة على أَسَاس الدِّين، أو العِرْق، أو الإِثْنِيَة (éthnie)، أو القَبِيلَة، أو اللُّـغَة، أو الجِهَة، أو لَوْن البَشْرَة، أو غَيْرِهَا. وَتَعْمَل «الطَّائِـفَة» من أجل اِنْتِزَاع، أو صِيَّانَة، مَصَالِحَ خَاصَّة بِأَعْضَاء الطَّائِـفَة، وَلَوْ كان المُسْتَـفِيدون الحَـقِيقِيُّون مِن هذه المَصَالِح يَنْحَصِرُون في أَسْيَاد أو زُعَمَاء هذه الطَّائِـفَة، ولَا يُعَمَّمُ بِالضَّرُورَة نَـفْـعُهَا على مُجْمَل قَوَاعِدِ الطََّائِـفَة المَعْنِيَة. وَمِن طَبِيعَة الطَّائِـفَة أن تَنْـقِسِمُ إلى طَوَائِفَ صَغِيرَة. وَقَد تَكُون الطَوَائِـفُ المُتَنَاسِلَة مُتَنَافِسَة، أو مُتَعَاوِنَة، أو هُمَا مَعًا. وَفي كَثِير مِن الحَالَات، يُؤَدِّي مَنْطِق الطَّائِـفِيَة إلى أن تَتَحَوَّلُ كُلِّ طَائِـفَة إلى دَوْلَة داخل الدَّوْلَة.
3) لَا نَـفْهَم مُبَرِّر الإِقْدَام المُبَاغِت لِدَوْلَة المغرب على تَـقْنِينِ وَإِنْشَاء هذه التَنْظِيمَات والهَيْئَات الخَاصَّة بِـ «الطَائِـفَة اليَهُودِية»، خَاصَّةً وأنّ عدد اليهود الذين يعيشون في المغرب، في سنوات 2020، كان يَقِلُّ عن 3000 شخص. وَقَد يَكُونُ السِرُّ المُفَسِّر لهذه الإِجْرَاءَات، هو أن السُلْطَة السِيَاسِيَة في المغرب عَازِمَة على تَنْـفِيذ «التَطْبِيع» المُوَقَّع بين دولة المغرب ودولة إسرائيل (في دِيسَمْبَر 2020)، بِطَرِيقَة اِسْتِثْنَائِيَة. وَتُصِرُّ السُلْطَة السياسية في المغرب على اِعْتِبَار الكُتْلَة البَشَرِيَة المُكَوَّنَة مِن قُرَابَة 700 أَلْف «إِسْرَائِيلِـي مِن أَصْل مَغْرِبِي» كَمُوَاطِنِين مَغاربة، كَامِلِي الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة. الشيء الذي يُثِير أكثر مِن تَسَاؤُل، وَأَكْثَر مِن اسْتِغْرَاب، على الصِّفَة القَانُونِيَة، أو الشَّرْعِيَة، لهذه الاعتبارات، والقَرَارَات، والإجراءات.
4) برنامج الدولة المغربية الرَّامِي إلى تَنْظِيم «الطَائِـفَة اليَهُودِية»، يَعْتَبِرُ إذن أن «الإسرائيليّين من أصل مغربي» هم «يَهُود مَغَارِبَة»، أو «مَغَارِبَة يَهُود»، وأن المَغْرِب هو «بَلَدُهم الأَصْلِي». وَيَعْتَبِرُ ضِمْنِيًّا هذا البرنامج للدولة المغربية أن هؤلاء «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي» لا يَحْتَاجُون إلى الـقِيَّام بِأَيَّةِ إِجْرَاءَات إِدَارِيَة أو قَانُونِيَة لِلْحُصُول على «الجِنْسِيَة المغربية». لأن السُلطة السياسية في المغرب تَعْتَبِرُهُم «يَهُودًا مَغَارِبَة»، أو «مَغَارِبَة يَهُودًا». وهكذا يَكْتَمِلُ المَنْطِقُ، وَتَنْغَلِقُ الحَلَقَة. وَيُصْبِحُ كل شيء مُبَرَّرًا، وَمُكْتَمِلًا. حيثُ تُعْطِي دولة المغرب إلى هؤلاء «الإِسْرَائِيلِيِّين مِن أصل مَغربي» (وربّما حتّى إلى الإسرائيليّين الآخرين الذين لَيْسُوا مِن أصل مغربي) حَقَّ دُخُول المغرب بِحُرِّيَة تَامَّة، والـقِيَّام فيه بِكُلّ مَا يُرِيدُون.
5) زَعَمَت دولة المغرب أنها هي التي سَتُنَظِّمُ، وَسَتُسَيِّر، «الطَائِفَة اليَهُودِية» في المغرب. وَمِنْ المُسْتَبْـعَد جِدًّا أن تَقْدِرَ فِعْلِيًّا دَوْلَة المغرب على ذلك. وَمَا دَامَ هؤلاء «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي» مُوَاطِنِين مُخْلِصِين لِدَوْلَة إِسْرَائِيل، فَإن الـفَاعِلَ الذي سَيَكُون قَادِرًا على تَنْظِيم وَتَدْبِير هذه «الطَائِفَة اليَهُودِيَة» في المَغْرِب، هي دولة إِسْرَائِيل، بِمُخَابَرَاتِهَا، وَتَنْظِيمَاتِهَا المُتَشَابِكَة، والخَـفِيَّة. وَهَكَذَا سَـتُـصْبِحُ «الطَائِفَة اليَهُودِيَة» دَوْلَةً دَاخِل الدَوْلَة المَغْرِبِيَة. بَلْ الأَكْثَرُ احْتِمَالًا هو أن «الطَائِفَة اليَهُودِيَة» المَغْرِبِيَة هي التي سَتُصْبِحُ مُسَيِّرَة لِلدَّوْلَة المغربية. وَسَتَغْدُو إِسْرَائِيل طَرَفًا مُؤَثِّرًا، أو حَاسِمًا، في كُلِّ مَا يَجْرِي داخل دَولة المَغرب.
6) يَتَحَوَّلُ المغرب، نَتِيجَةً لِهذا «التَطْبِيع»، إلى مَنْطَقَة مُلْحَقَة بِإِسْرَائِيل. وَيَغْدُو المغرب هو «الضِفَّة الغَرْبِيَة»، أو «الضِفَّة المَغْرِبِيَة» لِإِسْرَائِيل. وَبِفَضْل مَا يَتَمَتَّعُ به هؤلاء «الإِسْرَائِيلِيِّين» في المغرب مِن اِمْتِيَّازَات، وَقُدُرَات، تَـفُوق بِكَثِير حُقُوق المُواطنين المغاربة العَادِيِّين، يُصْبِحُ مِن حَقِّ هؤلاء «الإِسْرَائِيلِيِّين» أن يَغْزُوا المغرب، وَأَنْ يَحْتَلُّوه، وَأَنْ يُنَاوِرُوا دَاخِلَه، وَأن يَسْتَغِلُّوه، وَحَتَّى أن يُحَطِّمُوه، أو أن يُخَرِّبُوه مِثْلَمَا يَحْلُوا لهم. وَسَتَـقُوم الدولة المغربية بِحِمَايَة هؤلاء «الإسرائيليّين»، مُـقَابِلَ «الحِمَايَة» المَزْعُومَة التي تُوَفِّرُهَا إسرائيل (وَأَمْرِيكَا) لِلنِظَام السياسي القائم في المغرب. هذا هو مُستقبل المغرب الأكثر احتمالًا.
7) مِمَّا لَم يُوَضِّحْهُ البَيَان الرَّسْمِي لِحُكُومَة المغرب، المُشَار إليه سَابِقًا، هو أن إِقْدَام دولة المغرب، منذ شهر يُولْيُوز (تَمُّوز) 2022، على «تَنْظِيم الطَائِفَة اليَهُودِيَة» داخل المغرب، لم يَكُن إِجْرَاءً اِعْتِبَاطِيًّا، أو رَتِيبًا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ في إِطَار تَنْـفِيذ اِتِّـفَاقِيَة «تَطْبِيع» العَلَاقَات بين دولة المغرب ودولة إسرائيل، المُوَقَّـعَة في شهر ديسمبر 2020. بَيْنَمَا شَعْب المغرب يَجْهَل تَـفَاصِيل اِتِّـفَاقِية «التَطْبِيع» مع إسرائيل، وَلَا يَعْرِفُ تَطَوُّرَاتِهَا المُرْتَجَلَة، وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُ أَنْ أُسْتُشِيرَ حَوْلَهَا، وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُ أَنْ وَافَـقَ عليها.
8) واليوم في سنة 2022، وبعد تَرْسِيم «التَطْبِيع» بين دولة المغرب ودولة إسرائيل مُنذ سنة 2020، نُـلَاحِظُ أن دولة المغرب تُهَيِّءُ لِِـ «تَنْظِيم الطَائِفَة اليَهُودِيَة» داخل المغرب. وهذا يَعْنِي أن السُلْطَة السياسية في المغرب، في إطار إِلْتِزَامَاتِهَا مع نَظِيرَتِهَا في إسرائيل، تَسْتَـعِدُّ لِاسْتِـقْبَال مِئَات الآلَاف مِن «الإسرائيليّين مِن أصل مَغْرِبِي»، وَتُرِيدُ تَوْطِينَهُم دَاخِل المغرب. وَتَـعْنِـي هذه الاستعدادات أن دولة المغرب تُريد أن تُوَفِّرَ لِهؤلاء «الإسرائيليّين مِن أصل مَغْرِبِي» كل «المُسَاعَدَات»، و«التَسْهِيلَات»، و«الاِمْتِيَّازَات» المُمْكِنَة. لكن شعب المغرب، لَا يَعْرِف، وَلَمْ يُسْتَشَار، وَلَمْ يُوَافِـق على، مَشْرُوع إِدَخَال وَتَوْطِين قُرَابَة 700 أَلْف إِسْرَائِيلِي إلى المغرب. أَفَلَا تُدْرِكُ السُلطة السياسية في المغرب أنه، بِإِدْخَالِهَا «التـنظيمات الطَائِـفِيَة» إلى المغرب، فإنها تَرْتَكِبُ شَطَطًا في اِسْتِعْمَال السُّلْطَة (abus de pouvoir)؟
9) إذا سَمَحَت دولة المغرب لِـ «طَائِفَة اليهود المغاربة» (أو لِأَيَّة مَجْمُوعَة أخرى) بأن تَتَـنَظَّمَ كَـ «طَائـفَة»، فإن دِينَامِيَة تَطَوُّر المُجتمع سَتُؤَدِّي حَتْمًا إلى تَـكَوُّن «طَوَائِفَ» أخرى، مُتَنَافِسَة، وَمُتَصَارِعَة. والتَنَاقَضَات المَوْضُوعِيَة، والكَثِيرَة، المَوْجُودَة في المغرب تَجْعَلُ شَعْبَه قَابِلًا لِلْاِنْـفِجَار، وَلِلتَشَـتُّـت. والمجموعات المُؤَهَّلَة لِلتَّشَكُّل كَـ «طَوَائِـف» داخل المغرب، كثيرة، وَغَيْر مُتَـوَقَّعَة. وَنَذْكُر مِن بَيْنِهَا المَجْمُوعَات المُحْتَمَلَة التَالِيَة : الأَمَازِيغ (وينـقسمون هم أنـفسهم إلى عدّة مَجموعات مُتَمَيِّزَة جُغْرَافِيًّا، أو جِهَوِيًّا)، والعُرُوبِيُّون، والشُرَفَاء العَلَوِيُّون، والسُنَّة، والشِيعَة، وَسُكَّان منطقة “الرِّيـف” في شمال المغرب، والصَحْرَاوِيُّون، والسُّوسِيُّون، والـفَاسِيُّون، والأَنْدَلُسِيُّون، والمُسْلِمُون الأُصُولِيُّون، والبَهَائِيُّون، والمسيحيُّون، والْـلَّائِحَة طَوِيلَة، وكلّ الاحتمالات وَارِدَة. (وَمَثَلًا في تجربة لُبْنَان، بَدَأَت «الطَائِـفِيَة» بِقُرَابَة 3 «طَوَائِـف» دِينِيَة، هي الشِيعَة، والسُنَّة، والمَوَارِنَة؛ ثُمَّ انْتَـقَلَت الطَائِفِيَة بِسُرْعَة إلى 18 «طَائِـفَة» مَعْمُولٌ بها رَسْمِيًّا في دولة لُبْنَان. وفي العِرَاق، وبعد اِحْتِلَالِه وَتَخْريبه كُلِيًّا من طرف الولايات المُتَّحِدَة الأمريكية في سنة 2003، بَنَت أَمْرِكَا الدولةَ العِرَاقِيَةَ البَدِيلَةَ على أَسَاس ثلاثة طَوَائِف، هي الكُرْد، والشِّيعَة، والسُنَّة، وذلك بِهَدَف ضمان بَقاء العِرَاء في الاِنْحِطَاط. وَمِن بعد، اِنْقَسَمَت كل وَاحدة مِن هذه الطَوَائِـف إلى عدّة مُكَوّنَات طَائِـفِيَة مُتَنَافِسَة). أَفَلَا تُدْرِكُ السُلطة السياسية في المغرب أنه، بِإِدْخَالِهَا «التـنظيمات الطَائِـفِيَة» إلى المغرب، فإنها سَتُـفَجِّرُ بِسُرْعَة هذا الوَطَن الصُغَيِّـر إلى عِدَّة «مَجْمُوعَات»، أو «كِيَّانَات»، أَو «طَوَائِـف»، مُتَنَاقِضَة، وَمُتَصَارِعَة، وَمُتَنَاحِرَة؟
10) يَـكْـفِي أن تَتَـكَوَّنَ تَارِيخِيًّا «طَائِـفَة» وَاحدة داخل أَيِّ مُجْتَمَع مُحَدَّد (مثل «الطَائِـفَة اليَهُودِيَة» في المغرب)، لِكَيْ تُـؤَدِّيَ دِينَامِيكِيَة المُجتمع إلى تَكَوُّن «طَوَائِـف» أُخْرَى إِضَافِيَة، وَغَيْر مُتَوَقَّـعَة، تَكُونُ مُتَعَدِّدَة، أو مُشَابِهَة، أو مُتَمَيِّزَة. وَتُصْبِحُ هذه «الطَوَائِفُ» الجَدِيدَة بِالضَّرُورَة مُنَافِسَة لِلطَّائِـفَة الْأُولَى، أو مُعَادِيَة لها، أو خَاضِعَة لِبَعْضِهَا. (أُنْظُر تَجْرِبَتُي لُبْنَان والعِرَاق). وَسَيَكُون المُسْتَـفِيدُون الأَسَاسِيُّون مِن «الطَائِـفِيَة» في المغرب هُمُ الْإِمْبِرْيَالِيُّون، والأشخاص الإِسْرَائِيلِيُّون، وَإِسْرَائِيل. أَفَلَا تُدْرِكُ السُلطة السياسية في المغرب أنه، بِإِدْخَالِهَا «التـنظيمات الطَائِـفِيَة» إلى المغرب، فإنها تَسُوقُ المُجْتَمَع المغربي نَحْوَ نِظَام سيّاسي جَامِد، وَعَاجِز، وَمُـفْلِس، وَمُنْحَطّ (أَكْثَرَ مِمَّا هو الوضعُ حَالِيًّا في لُبْنَان، والعِرَاق)؟
11) قَدْ تَـقُول السُّلْطَة السِيَاسية في المغرب : «نحن نَعْرِفُ أَخْطَار الطَّائِـفِيَة، وَلَا نَنْوِي إِعَادَة تَنْظِيم الدَوْلَة المَغْرِبِيَة على أَسَاس الطَائِـفِيَة، وَإنما نُريد فـقط تَنْظِيم الطَّائِـفَة اليَهُودِيَة، نَتِيجَةْ لِلتَّطْبِيع بين المغرب وَإِسْرَائِيل». وَنُجِيبُهَا، بِأَنَّنَا نـتـكلّم عن ظَوَاهِر مُجْتَمَعِيَة مُحَتَّمَة، وَلَا نَعْبَأُ كُثِيرًا بِنَوَايَا الأشخاص. حَيْثُ أن العَمَل بِمَنْهَج «الطائـفية»، يُؤَدِّي بِالضَّرُورَة، وَلَوْ بِطَرِيـقة بَطِيئَة، أو غَيْر مُبَاشِرَة، أَوْ غَيْر وَاضِحَة، أو غَيْر مَرْئِيَّة، وَلَكِن حَتْمِيَة، إلى عَرْقَلَة التَمَاسُك المُجْتَمَعِي، ثم إلى تَخْرِيب الاندماج الوطني، ثمّ إلى اِسْتِحَالَة إِنْجَاز التـنمية المُجْتَمَعِيَة (بِأَبْعَادِهَا الاقتصادية، والسياسية، والعِلْمِيَة، والثَـقَافِيَة، والتِكْنُولُوجِيَة، الخ). لذلك نَجِدُ في مُجْمَل بُلْدَان العَالَم أن مَآلَ الطَائِفِيَة، على المَدَيَيْن المُتَوَسِّط وَالْبَعِيد، هو دائمًا اِنْحِطَاط المُجتمع المَعْنِي، وَعَجْزُهُ، ثُمَّ خَرَابُه. أَفَلَا تُدْرِكُ السُلْطَة السياسية في المغرب أنه، بِإِدْخَال «التـنظيمات الطَائِـفِيَة» إلى المغرب، فإنها تَـقُودُ المغربَ نَحْوَ مَزِيد من التَشَتُّت، وَالْاِنْحِطَاط، والاِنْهِيَّار؟
12) مَهْمَا قِيل في مَجَال تَـبْرِير إِقَامَة «الطَائِـفِيَة»، فَإِنّ أُسُـس إِنْشَاء «الطَائِفِيَة» تَبْـقَـى مُنَاقِضَة لِلْمُوَاطَنَة المُتَسَاوِيَة، وَلِلْعَدَالَة المُجْتَمَعِيَة، وَلِلْاِسْتِـقْلَال الوَطَنِي. وَغَالِبًا مَا تَـكُونُ هذه المُبَرِّرَات وَهْمِيَة. وَتُسْتَعْمَل «الطَّائِـفِيَة» كَـغِطَاء أَيْدِيُولُوجِي لِإِخْفَاء، أو لِتَشْرِيع، مَا يُمَارِسُه زُعَمَاء «الطَوَائِـف»، مِنْ سَيْطَرَة، وَنَهْب، واستـغلال، وَرِيع، وَسَطْو، وَاحْتِـكَار.
13) الـفَاعِلُون المُحَرِّكُون الأَسَاسِيُّون لِـ «الطَّائِـفَة»، وَلِـ «الطَّائِـفِيَة»، هم دَائِمًا الأَعْيَان المَحَلِّيُون، والرَأْسَمَالِيُّون المُسْتَـغِلُّون الكِبَار، المُسْتَـفِيدُون مِن تَدَابِير التَنْظِيمَات الطَائِـفِيَة، وَمِن الرِّيـعِ الطَائِـفِي، وَمِن المُحَاصَصَة في اِقْتِسَام السُلُطَات السِيَاسِيَة، وَالغَنَائِم، والثَـرَوَات، فيما بين النُخَب الْاِنْتِهَازِيَة، السَّائِدَة على مُخْتَلَف الطَوَائِـف المُتَنَافِسَة، أو المُتَنَاقِضَة. أَفَلَا تُدْرِكُ السُلطة السياسية في المغرب أنه، بِإِدْخَالِهَا «التـنظيمات الطَائِـفِيَة» إلى المغرب، فإنها تَضُرُّ بِمَصَالح الشعب، وَتَخْدُمُ فـقط مصالح نُخْبَة قَلِيلَة مِن المُسْتَـغِلِّين الكِبَار، الذين قد يَكُونُوا مَغَارِبَة مُسْلِمُون، أو «إِسْرَائِيلِيُّون مِن أصل يَهُودِي مغربي»؟
14) كُلُّ تَجَارِب الدُوَل «الطَائِـفِيَة» (مثل لُبْنَان، والعِرَاق) تُؤَكِّد أن جماهير الشعب لا تَسْتَـفِيد شَيْئًا مِن «الطَائِفِيَة»، وَإِنَّمَا فقط الزُعَمَاء، والأَعْيَان، والانـتهازيّون، والغَشَّاشُون، والفَاسِدُون، والمُسْتَـغِلُّون الرأسماليّون الكبار، والمُحْتَكِرُون، وَالمُجْرِمُون مِن مُخْتَلَف الأَنْوَاع، والجَمَاعَات المَافْـيَـوِيَة (mafiosi)، سَوَاءً كانُوا مَغَارِبَة مُسْلِمِين أَمْ «إِسْرَائِيلِيِّين مِن أَصْل مَغْرِبِي»، هم وَحْدَهُم الذين يستـفيدون من نظام «الطَائـفية»، وَسَيُـكَافِحُون مِن أجل إِدَامَتِهَا.
15) تَمِيل دَائِمًا كُلّ مَجْمُوعَة بَشَرِيَة مُنَظَّمَة كَـ «طَائِـفَةُ» داخل المُجْتَمَع، إلى الابتـعاد عن، أو إلى التَنَاقُض مع، وحدة الدولة، وَوَحْدة الشعب، وَوَحدة الوطن. وَلَا يُمكن تَـقْوِيَة وَحْدَة الدَوْلَة، أو الشَّعْب، أو الوَطَن، بِدُون مَنْعِ كلّ مَظَاهِر «التَنْظِيمَات الطَّائِـفِيَة». أَفَلَا تُدْرِكُ السُلطة السياسية في المغرب أنه، بِإِدْخَالِهَا «التـنظيمات الطَائِـفِيَة» إلى المغرب، فإنها تُـعَمِّـقُ اِنْحِلَال الدولة، وَتُـفَاقِمُ تَـفَـكُّـك المُجْتَمَع؟
16) يَحْتَاجُ وُجُود الطَوَائِـف، وَكذلك اسْتِمْرَارُهَا، إلى تَـغْدِيَة «المُعْتَـقَدَات الطَائِفِية»، وَنَشْرِهَا، وَتَـقْوِيَتِهَا، وَلَوْ كَانَت هذه المُعْتَـقَدَات مُجَرَّد خُرَافَات مُضَلِّـلَـة. وَيَحْتَاجُ كَذَلِك وُجُود «الطَوَائِـف» إلى تَأْجِيج الأَحْـقَاد، أو الضَغَائِن، أو الكَرَاهِيَة، فِيمَا بين هذه «الطَوَائِـف»، وَلَوْ كانـت مُصْطَنَعَة. أَفَلَا تُدْرِكُ السُلطة السياسية في المغرب أنه، بِإِدْخَالِهَا «التـنظيمات الطَائِـفِيَة» إلى المغرب، فإنها تَزْرَع المُعْتَـقَدَات المُخَادِعَة، والكَرَاهِيَّات الفِئَوِيَة، وَالمُنَافَسَات المُخَرِّبَة، والأَحْـقَاد العُنْصُرِيَة، والصِدَامَات الهَدَّامَة؟
17) كُلُّ تَجَارِب الدُوَل «الطَائِـفِيَة» (مثل لُبْنَان، والعِرَاق)، تُؤَكِّد أن تَـنْظِيم الدولة على أُسُـسٍ «طَائِفِيَة»، يُؤَدِّي حَتْمًا إلى اِنْحِلَال المُجْتَمَع، وَإِلَى اِنْهِيَّار الدولة، وَضُعْـفِهَا، وَفَسَادِهَا، وَاسْتِبْدَادِهَا، وَإِفْلَاسِهَا. ثُمَّ تُؤَدِّي «الطَائِـفِيَة» إلى خَرَابِ المُجتمع. وذلك هو مَا يُلَاحِظُه الجَمِيعُ اليَوْمَ في البُلْدَان المَبْنِيَة على أَسَاس «الطائـفية»، مثل لُبْنَان، والعِرَاق. لِأن «الطَائِـفِيَة» تَتَنَاقُضُ مع «العَقْلَانِيَة»، ومع «فَصْل الدِِّين عن الدولة»، وَمَعَ «الدِّيمُوقراطية»، وَمَعَ «العَدَالَة المُجتمعية»، ومع «دولة الحقّ والـقانون»، وحتّى مع «المُوَاطَنَة المُتَسَاوِيَة». وَيَسْتَحِيل أن تُوجَد «دولة الحقّ والـقَانُون»، أو «الحَكَامَة الجَيِّدَة»، أو «الدِّيمُوقْرَاطِية» (سواءً كانـت «تَمْثِيلِيَة»، أَمْ «تَشَارُكِيَة»)، في إطار مُجْتَمَع مُنَظَّم على أَسَاس «الطَوَائِف». أَفَلَا تُدْرِكُ السُلطة السياسية في المغرب أنه، بِإِدْخَالِهَا «التـنظيمات الطَائِـفِيَة» إلى المغرب، فَإِنَّهَا تُعَرِّضُ مَصِير شعب المغرب لِلْهَلَاك؟
18) إذا أرَادَت دولة المغرب أن تَتَـعَامَل مع «إسرائيليّين مِن أَصْل مَغْرِبِي» كَـ «طَائِـفَة يَهُودِية مَغْرِبِيَة» مُتَمَيِّزَة، لِمَاذَا لَا تُطَالِبُ دولة المَغْرب مِن دولة إسرائيل أن تَلْتَزِمَ، هِيَ أَيْضًا، بِـمَبْدَأ «المُعَامَلَة بِالمِثْل» (réciprocité)، لِكَي تُصْبِح دولة إسرائيل مُجْبَرَة قَانُونِيًّا على التَعَامُل مع «الإِسْرَائِيلِيِّين مِن أَصْل مَغْرِبِي» كَـ «طَائِفَة يَهُودِيَة مَغْرِبِيَىة» مُتَمَيِّزَة دَاخِل إِسْرَائِيل ؟ وَإِذَا كَانَ هذا الإِجْرَاء مَرْفُوضًا مِن طرف دَوْلَة إسرائيل، فَلِمَاذا تَـلْتَزِمُ به دولة المغرب مِن جَانِب واحد، وَبِدُون أيّ مُقَابِل ؟ أَفَلَا تُدْرِكُ السُلْطَة السياسية في المغرب أنه، بِإِدْخَال «التـنظيمات الطَائِـفِيَة» إلى المغرب، فإنها بَالَغَت جِدًّا في العِنَايَة بِـ «الإِسْرَائِيلِيِّين مِن أَصْل مَغْرِبِي»، مُقَابِل تَسْلِيط الْإِهْمَال، وَالتَجَاهُل، وَالتَهْمِيش، والْاِسْتِـغْلَال، وَالـقَمْع، وَالاِضْطِهَاد، على المُوَاطِنِين المَغَارِبَة الفُـقَـرَاء، والبُسَطَاء، وَالمَحْرُومِين، والمُسْتَـغَلِّين؟
19) إذا أصبحت دولة المغرب تَتَـعَامَل مع «إسرائيليّين مِن أَصْل مَغْرِبِي»، كَـمَغَارِبَة عَادِيِّين، وَكَامِلِي «الجِنْسِيَة» المغربية، وَكَامِلِي «المُوَاطَنَة» المغربية، أو تَتَـعَامَلُ مَعَهُم كَـ بَاقِي «المَـغَارِبَة المُقِيمِين في الخَارج»، فَهَل سَيَحْصُل هؤلاء «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي»، (سواءً كانوا مُقِيمِين داخل المغرب أم خَارِجَه)، على حَقِّ الْاِنْتِخَاب، وَعَلَى حَقّ التَرَشُّح، في الانـتخابات البَرْلَمَانِيَة، وَانْتِخَابَات الجَمَاعَات التُرَابِيَة ؟ وَهَل سَتَحْصُلُ هذه «الطَائِفَة اليَهُودِيَة» على حِصَّة (quota) «طَائِـفِيَّة» مُحَدَّدَة مِن المٌقَاعِد في بَرْلَمَان المغرب، وفي الجماعات المَحَلِّيَة المغربية ؟ وَإِذَا كَانَت «الطَائِـفَة اليَهُودِيَة» تَحْظَى مُنْذُ زَمَن بَعِيد بِـ حِصَّة (quota) «طَائِـفِيَّة» في مَنَاصِبِ «مُسْتَشَارِي المَلِك»، فَكَيْفَ لَا نَـتَـوَقَّـعُ حُصُول هذه «الطَائِفَة اليَهُودِيَة» على حِصَصٍ (quotas) مُمَاثِلَة في مَقَاعِد البَرْلَمَان والجَمَاعَات التُرَابِيَة ؟ وَهَلْ سَيُؤَدِّي مَنْطِق «تَنْظِيم الطَائِـفِيَة اليَهُودِيَة» إلى تَـعْمِيم مَنْطِق «الحِصَص الطَائِـفِيَة اليَهُودِيَة» على مُجْمَل المُؤَسَّـسَات التَمْثِيلِيَة في المغرب ؟ وَهَل مَا يَحْتَاجُه شعب المغرب هُو إِقَامَة «المُحَاصَصَة الطَائِـفِيَة»، أم تَشْيِيد «الدِّيمُوقْرَاطِيَة»، و«العَدَالَة المُجْتَمَعِيَة»، وَمُكَافَحَة الرَأْسَمَالِيَة المُفْتَرِسَة؟
20) وَعَلى عَكْسِ رَأْيِ السُّلْطَة السِّيَاسِيَة في المغرب، والتي تُريد تَنْظِيم أَمْن وَطُمَأْنِينَة «الطَّائِـفَة اليَهُودِيَة» في المغرب، نُلَاحِظُ أن البُلدان التي يعيش فيها اليَهُود مُرْتَاحِين، وَمُطْمَئِنِّين، هي بِالضَّبْط البُلدان التي يَعِيش فيها هؤلاء اليَهُود كَمُوَاطِنِين أَفْرَاد عَادِيِّين، وَمُنْدَمِجِين، وَمُتَسَاوِين مع بَاقِي مُوَاطِنِي مُجْتَمَعِهِم، وَلَا يَعِيشُون فيها كَـ «طَائِفَة مُتَمَيِّزَة». وَنَذْكُر من بين هذه البلدان مثلًا الولايات المتّحدة الأمريكية، وَكَنَدَا، وَأَلْمَانِيَا، وَالمَمْلَكَة المُتَّحِدَة (إِنْجَلْتْرَا)، والنَمْسَا، وَأُوسْتْرَالْيَا، الخ. وَلَا يُوجد في هذه الدول تَنْظِيم خَاصّ بِـ «الطَّائِـفَة اليَهُودِيَة». [بَيْنَمَا في فَرَنْسَا، نَجَحَت الحَرَكَة الصَّهْيُونِيَة المُتَخَـفِّيَة في تَنْظِيم اليَهُود الـفَرَنْسِيِّين كَـ «طَائِـفَة يَهُودِيَة سِرِّيَة»، وَلَوْ أن قَوَانِين جُمْهُورِيَة فَرَنْسَا تَمْنَع مَظَاهِر الطَائِـفِيَة. بَل فَرَضَت الحَرَكَة الصَّهْيُونِيَة في فَرَنْسَا تَمْرِير قَانُون يُجَرِّمُ نَقْد الصَّهْيُونِيَة]. أمّا البُلدان التي يعيش فيها اليَهُود في حَالَة مُتَأَزِّمَة، أو تَصَادُمِيَة، أو عَدَائِيَة، فَهِيَ بِالضَّبْط البُلْدَان التي يعيش فيها اليَهُود كَـ «طَائِـفَة» مُتَمَيِّزَة، أو اِسْتِثْنَائِيَة، سواءً كانت هذه الطَائِفَة اليَهُودية سَائِدَة (مثلما هو الحال في إسرائيل)، أم كَطَائِفَة مَسُودَة (مثلما كان الحال مِن قَبْل في بعض البلدان الأَوْرُوبِّيَة، أو النَاطِقَة بِالعَرَبِيَة). وَمَعْنَى ذلك أنه، كُلَّمَا تَشَبَّتَ اليَهُود (أو غيرهم) بِأَن يَعِيشُوا كَـطَائِـفَة مُتَمَيِّزَة، يُصْبِحُون بِالضَّرُورَة يَحْيَوْنَ في أَزْمَة، وَتَغْدُو مُعَانَاتُهُم مُحْرِجَة، أو مُضْنِيَة، أو مُؤْلِمَة.
21) مِنْ بَيْن الاِنْحِرَافَات الأَسَاسِيَة في الصَّهْيُونِيَة، هو أنها تُرِيدُ أن يَعِيشَ اليَهُود كَـ «طَائِـفَة دِينِيَة مُتَمَيِّزَة»، وَذَات «حُقُوق اِسْتِثْنَائِيَة». (حيث تُطَالِبُ مثلًا الصَهْيُونِيَة بِحَقّ إِلَاهِي خَاص بِاليَهُود، يَسْمَحُ لَهُم بِغَزْو وَاسْتِيطَان فلسطين وَمَا جَاوَرَهَا). وَمِنْ بَيْن أَسْبَاب شَـقَاء اليَهُود، نَجِدُ رَغْبَةَ جُزْء هَامّ منهم في العَيْشِ كَـ «سُلَالَة دِينِيَة نَـقِيَة»، أو كَـ «طَائِفَة دِينِيَة مُتَمَيِّزَة»، أو ذَات «حُقُوق اِسْتِثْنَائِية». وَمِنْ بَيْن الحُلُول لِخَلَاصِ اليَهُود مِن اِضْطِهَادِهِم كَـ «طَائِـفَة»، أو مِن كُرْهِهِم، أو مِن إِقْصَائِهِم كَـ «سُلَالَة»، هو أن يَعِيشَ كُلُّ مُجْتَمَع (خاصّة إذا كان يَحْتَوِي على يَهُود)، على أَسَاسِ فَصْل الدِّين عَن الدَوْلَة، [وَكَذَلِك فَصْل الدِّين عن السياسة، وَفَصْل الدِّين عن الاقتصاد، وفصل الدّين عن الفُنُون، مَعَ ضَمَان حُرِّيَة العَـقِيدَة لِلْجَمِيع، وَحُرِّيَة العِبَادَة، وَحُرِّيَة عَدَم العِبَادَة، وَحُرِّيَة الاختيّار بين الزَوَاج الدِيني والزَوَاج المَدَنِي]. ولا يكون مَنْع تنظيم اليَهُود على أسَاس طَائِـفِي عَادِلًا، إِلَّا إذا رَافَـقَه مَنْعُ كُلِّ أَنْوَاع التَنْظِيمَات الطَائِـفِيَة، سَوَاءً كانت لِلْيَهُود، أَمْ لِلْمُسْلِمِين، أم لِلْمَسِيحِيِّين، أم لِغَيْرهم. كَمَا يَلْزَمُ مَنْع قِيَّام الدَوْلَة على أساس دِينِي (سواء كان هذا الدِّين هو اليَهُودِيَة، أم الإسلام، أم المَسِيحِيَة، أم غَيْرِهَِا). وَتَحَرُّر المُوَاطِنِين اليَهُود، أو تَحَرُّر أَيّ جُزْء آخر من المُوَاطِنِين، مَشْرُوطٌ بِتَحَرُّر كُلّ المُوَاطِنِين، وَبِدُون أَيِّ اِسْتِثْنَاء. وَيَسْتَوْجِبُ الحَلُّ أَيْضًا أن يكون المواطنون سَوَاسِيَة في كلّ حُقُوق المُوَاطَنَة، وَبِدُون أَيّ تَمْيِيز بَيْن مُعْتَنِـقِي هذا المَذْهَب الدِّينِي أو ذاك، وَبِدُون أيّ فَرق بين المُتَدَيِّنِين وغير المُتديّنين. كَمَا يَسْتَوجِبُ الحَلُّ أن تُـعْطِيَ الدَوْلَة السِّيَادَةَ أو الأَسْبَـقِيَةَ لِلْعَقْل، وليس لِلدِّين. لِأَنَّ تَجَارِب كُلّ مُجتمعات العالم تُثْبِتُ أنّ تَغْلِيب الدِّين على العَـقْل، أو على الدَوْلَة، أو على السِيَاسَة، يُؤَدِّي حَتْمًا إلى الاِسْتِبْدَاد، وإلى المُنَافَسَات، والصِرَاعَات، والصِدَامَات، والمَظَالِم، والاِنْحِطَاط، والحُرُوب، والخَرَاب.
22) في كُلّ مُجْتَمَع تَكُونُ فيه الدَوْلَة خَاضِعَة لِلدِّينِ، أو مُتَدَاخِلَة مَعَهُ (بِمَا فيها دَوْلَة إِمَارَة المُؤْمِنِين)، أو تَكُونُ فيه السِيَاسَة رَاضِخَة لِلدِّين، يُصْبِحُ بِالضَّرُورَة مُجْمَل المُوَاطِنِين أَشْـقِيَّاء، سَوَاءً كَانُوا يَهُودًا، أو مُسْلِمِين، أو مَسِيحِيِّين، أو غَيْر مُتَدَيِّنِين؛ وَذَلِك بِسَبَب المُنَافَسَات، والصِّرَاعَات، والصِّدَامَات الحَادَّة، التي تَحْدُثُ بين أَفْرَاد وَجَمَاعَات تَتَدَيَّنُ بِشَكْل مُخَالِف. وَغَالِبًا مَا تَنْتُج هذه الصِرَاعَات عَن التَنَاقُض بَيْن المَنْطِق المُنَظِّم لِلدَّوْلَة، أو لِلْمُجْتَمَع، وَالمَنْطِق المُنَظِّم لِلدِّين. أَفَلَا تُدْرِكُ السُلطة السياسية في المغرب أنه، بِإِدْخَالِهَا «التـنظيمات الطَائِـفِيَة» إلى المغرب، فَإِنَّهَا تُخْضِعُ آلِيَّات دَوْلَة المغرب لِمَنْطِق الدِّين اليَهُودِي، أو لِهَيْمَنَتِهِ؟
23) كلّ اِنْتِمَاء لِعَائِلَة، أو لِقَبِيلَة، أو لِمَجْمُوعة، أو لِشَعْب، أو لِوَطَن، وَرَغْمَ مَا يَرْتَبِطُ به مِن عَصَبِيَّة، وَمِن مُعْتَـقَدَات، فهو مَنْـتُوج تَارِيخِي، ويبقى طَيِّـعًا (malléable) نِسْبِيًّا، وفي تَـفَاعُل مع التَكْوِين (والتَرْبِيَة)، والثَـقَافَة، وتطوّر المُجتمع، والصراع الطَبَـقِي، (وكذلك في تَـفَاعُل مع تطوّر الأَوْضَاع في العَالَم، على المُسْتَوَيَات السياسية، والاقتصادية، والثقافية). وَكُلّ اِنْـتِمَاء لِـعَائِلَة، أو لِقَبِيلَة، أو لِجَمَاعَة دِينِيَة، أو لِجَماعة جِهَوِيَة، أو عِرْقِيَة، أو إِثْـنِـيَة، أو لُغَوِيَة، أو مَا شَابَهَ ذلك، يَتَطَوَّر بِالضَّرُورَة لِيُصْبِحَ في تَنَاقُض مُتَزَايِد مع الْاِنْتِمَاء لِمُجْتَمَع بَشَرِي أو إِنْسَانِي مُوَحَّد. فَيَنْضَافُ «اِنْـقِسَام المُجْتَمَع إلى طَوَائِـف مُتَصَارِعَة» إلى «اِنْـقِسَامِ المُجْتَمَع كَطَبَـقَات مُتَنَاقِضَة». فَيَتَحَوَّلُ المُجْتَمَع إلى جَحِيم. وَلَا يُمكن الخَلَاص من هذا الجَحِيم المُجْتَمَـعِي سِوَى عَبْرَ ثَوْرَة مُجْتَمَعِيَة شَامِلَة وَشُمُولِيَة. لِذلك يجب على المُوَاطِنِين أن يَبْذُلُوا جُهُودًا مُتَوَاصِلَة لِكَيْ يُـبْـقُـوا كُلّ انـتماءَاتهم الدِّينِيَة، والمحلية، والجهوية، وَالْإِثْـنِـيَـة، وَالْلُّغَوِيَة، وغيرها، خَاضِعَة، وَتَابِعَة، لِانْـتِمَاء وَاحِد مُوَحَّد لِلْوَطَن المُشْتَرَك، وَلِلشَّعْب الشَّامِل، وَلِلدَّوْلَة الدِّيمُوقراطية والعَادِلَة.
24) وَرَغْمَ أن جزءا هَامًّا من اليهود المَيْسُورِين كانوا (أو مَا زَالُوا) يَتَمَتَّـعُون بِبَعض الامتيازات الخاصة المَمْنُوحَة من طرف الأَمِير، أو السُّلْطَان، أو المَلِك؛ وَنَظَرًا لِكَوْن جزء هَامّ من اليهود المَغَارِبَة المَيْسُورِين كانوا، إِبَّان استعمار المغرب من طرف فرنسا (بين سنـتي 1912 و 1956)، مُنْحَازِين إلى المُستعمرين الفرنسيّين؛ وَنَظَرًا لِكَوْن عَدَدٍ من اليهود المغاربة المَيْسُورِين كانوا آنَذَاك يحملون صِـفَة، أو اِمْتِيَّاز، «المَحْمِيِّين» (protégés) من طَرَف الدول الأوروبّية القوية؛ يُوجَدُ اليومَ تَخَوُّف جِدِّي لَدَى كثير مِن المغاربة من خَطَر تَحَوُّل عَدَدٍ من الاسرائيليّين الجُدُد «مِن أَصْل مَغْرِبِي» (العَائِدِين مُؤَخَّرًا من إسرائيل إلى المغرب نَتِيجَةْ لِـ «إِتِّـفَاقِيَة التَطْبِيع») إلى عُمَلَاء سِريِّين، مُجَنَّدِين لِخِدْمَة إسرائيل، وَلِخِدْمَة الدُّول الغربية الإمبريالية. فَهَل تَرْقَى السُّلْطَة السياسية في المغرب إلى مُسْتَوَى الاِهْتِمَام بِتَخَوُّفَات المُوَاطِنِين المَغاربة؟
25) إن السماح لِأَعْدَادٍ هامّة، وَمُتَزَايِدَة، من الإسرائيليّين، بأن يَسْتَـقِرُّوا في المغرب، وأن يحصلوا على الجنسية المغربية، وَأَنْ يَحْظَوْا كَـ «طَائِـفَة يَهُودِيَة» بِامْتِيَّازَات خَارِقَة، يُحْتَمَل جِدًّا أن يُؤَدِّيَ إلى تَصَاعُد تَأْثِير هؤلاء الإسرائيليّين على باقي سُكَّان المغرب، في مُختلف مَيَادِين الحياة (الاقتصادية، والبَنْكِيَة، وَالمَالِيَة، والسياسية، والإِعْلَامِيَة، واللُّغَوِيَة، والمُخَابَرَاتِيَة، والثـقافية، الخ). لكن لا أحد يَقدر اليوم على أن يُثْبِتَ، أو أن يَضْمَنَ، أن هذا التَأْثِير لَنْ يكون سَلْبِيًّا، أو مُخَرِّبًا. بل المُتَوَقَّـع هو أن يتصرّف هؤلاء «الإسرائيليّين مِن أَصْل مَغْرِبِي» كَمُوَاطِنِين أَوْفِيَّاء لِلْكِيَّان الصَهْيُونِي الإِسْرَائِيلي. حيثُ أنه، مَا دَامَ «الإسرائيليُّون مِن أصل مغربي» مُنَاصِرِين لِلصُّهْيُونِيَة، وَلِإِسْرَائِيل، فالاحتمال الأكبر هو أنهم سَيَتَصَرَّفُون كَمُواطنين أَوْفِيَّاء لِإِسْرَائِيل، وَكَجُنُود في خِدْمَة المَشْرُوع الصَّهْيُونِي، وذلك بِاعْتِبَار إِسْرَائِيل دَوْلَة إِسْتِـعْمَارِيَة، وَعُنْصُرِيَة، وَإِمْبِرْيَالِيَة.
26) قَد سَبَـقَ أن عَبَّر كَثِير مِن مُوَاطِنِي المَغْرِب على اِنْشِـغَالِهِم، وَعَن تَخَوُّفَاتِهِم، مِن أن يستفيد هؤلاء الإسرائيليّين مِن علاقاتهم مع إسرائيل، ومع الدول الغربية القوية، لكي يُهَيْمِنُوا في المغرب على مُجْمَل الأنشطة الاقتصادية، بما فيها ميادين الصناعة، والتجارة، والبُنُوك، والمَالِيَة، والتِكْنُولُوجِيَّات، والعُلُوم، والإِعْلَام، والسياسة، واللُّغَات المُتَدَاوَلَة، والثـقافة، والـفنون، والمُؤَسَّـسَات التَمْثِيلِيَة، الخ. لكن السُلْطَة السياسية في المغرب لَا تَهْتَمُّ بِانْشِـغَالَات المُوَاطِنِين.
خُلَاصَة جُزْئِيَة أُولَى : لـقد وَجَدَت الحركة الصهيونية في السُّلْطَة السياسية القَائِمَة في المغرب فَرِيسَةً طَازِجَة، وَسَاذَجَة، وَسَهْلَة التَأْثِير. وَسَتَسْتَـغِلُّ إِسْرَائِيل هذه الـفُرْصَة بِلَا شَـفَـقَـة، وَلَا رَحْمَة، لِتَحْـقِيـق أَهدافها الاِسْتِـعْمَارِيَة، والاِمْبِرْيَالِيَة.
خُلَاصة جُزْئِيَة ثَانِـيًّة : وَاجِبُ السُّلْطَة السياسية، التي تَطْمَحُ إلى أن تَكُون «وَطَنِيَة»، وَمُـجَنَّدَة لِـ «خِدْمَة الشعب»، هُوَ تَجَنُّب، وَمَنْع، تَشَكُّل هَوِيَّات «طَائِـفِيَة» دَاخِل المُجْتَمَع، سَوَاءً كان ذلك على أساس الدِّين، أم اللغة، أم الجِهَة، أم القَبِيلَة، أم الجُغْرَافِيَة، أم الإِثْنِيَة (éthnie)، أم العِرْق، أم لَوْن البَشْرَة، أم الاقتصاد، أم الوَظِيـفَة، الخ. وَإِلَّا، أَصْبَحَ البَلَد المَعْنِي مُعَرَّضًا لِلتَـفَـكُّـك، والْاِنْحِطَاط، والخَرَاب. والسَبِيل لِتَلَافِي الْاِنْحِلَال والتَخَلُّف، هُو تَـقْوِيَة «الدِيمُوقْرَاطِيَة التَشَارُكِيَة»، وَالمُوَاطَنَة المُتَسَاوِيَة، وَ«العَدَالَة المُجْتَمَعِيَة»، وَمُحَارَبَة الرَّأْسَمَالِيَة المُـفْـتَـرِسَة.
خُلَاصة جُزْئِيَة ثَالِثَة : الحَلُّ الوَحِيد المُلَائِم لِمُعَالَجَة الْمَشَاكِل المُعَـقَّدَة، والمُـقْلِقَة، التي تُـثِيرُهَا إِشْكَالِيَة «تنظيم الطائفة اليهودية المغربية»، هو التَرَاجُع التَّام لِدَولة المغرب عن كُلّ هذه الـقَرَارَات، وَإِلْغَاء كل شَكْل مِن أشكال «الطَائِفِيَة» في المغرب، وَمَنْعُهَا كُلِّيًا، وَنِهَائِيًّا، بِـقُوَّة القَانُون؛ وكذلك التَرَاجُع الكُلِّي، والنِهَائِي، عَن كُلّ أَشْكَال «التَطْبِيع بين دولة المَغرب ودولة إسرائِيل»؛ والتَـعَامُل مَعَ كلّ الإِسْرَائِيلِيِّين، المُنَاصِرِين لِلصَّهْيُونِيَة، وَلَوْ كَانُوا مِن أَصْل مَغْرِبِي، كَأَعْدَاء لِشَعْب فَلَسْطِين، وَلِشَعْب المَغْرِب، وَلِكُلّ الشُّعُوب التَوَّاقَة لِلْحُرِّيَة.
___________
(1) مَقَال عبد السلام بنعيسي، تحت عنوان: “حزمة من التدابير لفائدة اليهود المغاربة… فهل من مزيد؟”، نُشِرَ على موقع “السؤال”، في يوم 15/07/2022، في رُكْن “قضايا وآراء“.