11  سنة من الإبادة  بسوريا.. ما جدوى العالم بعد الذي حصل؟

11  سنة من الإبادة  بسوريا.. ما جدوى العالم بعد الذي حصل؟

باريس- المعطي قبال

مرت على الحرب الأهلية السورية، وتسمّى أيضاً الأزمة السورية أو الثورة السورية…، 11 عاما من حرب جهنمية أودت بحياة 481,612 شخص حسب تقدير المرصد السوري لحقوق الإنسان لشهر ديسمبر 2017. ولا تزال تداعياتها الساخنة والطاحنة تثقل أفق سوريا ومستقبل المنطقة بأجمعها. عن ظروف وأسباب نشأتها، وآثارها على المواطنين، على الاقتصاد، البيئة، على بلدان الجوار، كتب الكثير إلى درجة توفر مكتبة هائلة من الأبحاث والدراسات بالفرنسية وبأكثر من لغة عن هذا الحدث غير المسبوق. وإن لم تعد سوريا اليوم تصنع الحدث، بحيث خفت التغطيات والتعاليق على الرغم من أن رحى الموت في عين المكان لا زال يحرسها بانتظام ملاك الموت، بشار الأسد. أكيد أن الحرب الأوكرانية خطفت الأضواء لكن يبقى «صاحب الوقت»، فلاديمير بوتين واحد. إذ يحرك بوتين العقارب سواء بسوريا أو بأوكرانيا… وإن انهزم بأوكرانيا سينهزم حتما بسوريا. الكتاب الذي بأيدينا دراسة قيمة لباحثة مميزة تعمل أستاذة أدب مقارن بجامعة باريس- سيتي. وتتركز أشغالها على تيمة كتابة التاريخ والعنف السياسي، على الشهادات الأدبية، النيهيلية واليوتوبيا. من بين دراساتها «اليوتوبيا والذاكرة»، «الطفل والإبادة»، «الكتاب الأسود لآل الأسد»… «ما جدوى العالم بعد كل الذي حصل؟ سوريا ونحن» هو كتابها الصادر هذا الأسبوع في 268 صفحة عن منشورات سندباد – أكت سود.

ما فائدة العالم بعد كل الذي حصل؟ لماذا إخراج الجنين من بطن أمه تساءل حسام عدنان، الطبيب بالغوطة الشرقية وهي تحت قصف القنابل؟ كان ذلك في 22 من فبراير 2018 في الوقت الذي كانت فيه امرأة حامل تموت تحت ناظريه. «إلى العالم، إلى ملوكه، إلى عظمائه أتوجه لكم اليوم. لن أطلب منكم إنقاد الغوطة، بل إنقاذ إنسانيتكم، شعوبكم وأطفالكم». بعد خمسة أيام على هذا النداء توجه من جديد بالنداء قائلا: «انسوا الغوطة. لا تنقدوها. بل حاولوا على الأقل إنقاذ حضاراتكم وإنسانيتكم». بالنسبة للسوريين الذين كانوا يواجهون عنفا مستشريا غداة ثورة 2011 في الوقت الذين هرعوا للشارع للمطالبة بالكرامة والحرية، فالعالم كان ذلك الكيان الذي حافظ على الصمت أو أدار وجهه خلال الجريمة المستدامة. بالنسبة لأولئك الذين رأوا معركتهم من أجل الحياة تشوه ضمن الكارثة الجهادية وتنمحي في روزنامة الحرب ضد الإرهاب… أصبح العالم بالنسبة لهم مجالا لغثيان عميق. تكاثفت النزعات العدمية لتفضي في الأخير إلى ما هو أسوأ مع تحويل نضالهم إلى لا شيء: مدن شبحية وأجساد ملقاة في المأرب أو مشتتة بفعل القنابل والتي تتحول إلى انسياب للصور ومشاهد مهينة على مختلف القنوات العالمية. ما فائدة العالم بعد كل الذي حصل؟

لكن العالم هو أيضا المكان الذي يرتسم فيه مجددا مستقبل اولئك الذين يعيشون وضعية منفى او الذين لم يغادروا البلد في محاولة لاستجماع حكاية الحرب ضمن أشكال يمكن تقاسمها وجعلها تجربة تحمل الكثير من المعنى أو ثورة أخرى يجب خوضها على نحو أخر وبإمكانيات أخرى، وفي أمكنة أخرى.

مسألة العالم” هاجس يشغل بال السوريين. هاجس يشغل كتاباتهم ونتاجهم، يخترق تفكيرهم على شكل نفي راديكالي تارة وعلى شكل ترقب تارة أخرى. عن أي شيء يخبرنا هذا الترقب للعالم ، أية أفاق منطفئة أو مشوشة يرينا إياها؟

 سبق للفيلسوفة حنة أراندت أن كتبت عام 1955 في مؤلف «ما السياسة»: «وحدهم الفنانون من يؤمن بالعالم. لا يسمحون لأنفسهم بأن يكونوا غرباء عن العالم». آنذاك كانت المنفية تعمل على إعادة بناء فكر سياسي من حول فكرة «مشروع العالم» أو «عشق العالم». عن أي إيمان بالعالم يحدثنا السوريون، وهم على شفا عالم أصابه الخراب والذي جعل منهم معذبون في الأرض، أو «منبوذي المعنى» على حد قول ياسين الحاج صالح. ما هو بالنسبة لهم «ألم العالم»؟ ماذا يقول لنا عن أنفسنا وعن عالم مشترك إن كان له وجود؟ أهمية هذا البحث تكمن في طرحه لأسئلة مضادة للنيهيلية وذلك بقراءة ومتابعة لممارسات ونتاجات سوريين وسوريات. كتبت الستة نصوص التي يتألف منها الكتاب بين ديسمبر 2017 وأبريل 2022 بهدف مساءلة الثورة المهزومة والإشارة إلى أشكال جد مختلفة للهدم والمقاومة لدى كتاب معترف بهم أو غير معروفين. تم التركيز على أعمال ياسين الحاج صالح، سميرة الخليل، سمر يزبك، خالد خليفة، فرج بيرقدار، مصطفى خليفة وكل واحد منهم واجه وحش اسمه النيهيلية عابرا خلاء الصحراء.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".