كيف تقوم أمريكا باختراع إسرائيل في كل لحظة وحين؟
عبد السلام بنعيسي
قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال استقباله الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، في زيارته للبيت الأبيض: “لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا اختراعها”. وأرجع بايدن موقفه هذا إلى “القيم والدوافع والمبادئ المشتركة” بين البلدين، وأضاف أن “الولايات المتحدة لديها التزام صارم تجاه إسرائيل”.
بتصريحه هذا يضرب الرئيس الأمريكي العقيدة الصهيونية التي أُنشِئت في كنفها الدولة العبرية في الصميم. ففلسطين ليست أرض الميعاد بالنسبة لليهود، ولم تكن أرضا خلاء وبلا شعب، ووهبها الرب ليهود العالم، لينشئوا فيها دولتهم اليهودية، كما تزعم ذلك الأساطير المؤسسة للدولة العبرية، وإسرائيل لم تنشأ بسبب الاضطهاد الذي تعرض له يهود العالم في الحرب العالمية الثانية على أيدي النازيين، فكان لابد من إنشاء كيان قومي لهم، يحميهم من التعرض للقتل والإفناء، كما تقوم بمطقرتنا بذلك سردية الإعلام الغربي، صباح مساء.
بتصريحه المشار إليه أعلاه، يُعلن جو بايدن، أن الحيثيات المذكورة سلفا، ليست هي الركيزة الأساس لتأسيس الدولة العربية، حتى دون تلكم الحيثيات، فإن الغرب كان سيعمل على اختراع إسرائيل. الرئيس الأمريكي يفشي لنا، بطريقة استرجاعية، دواعي إقامة دولة إسرائيل: لقد أنشأتها الامبريالية الغربية في لحظة استعمارها لبلدان عالم الجنوب، وكان تأسيسها في قلب الوطن العربي والإسلامي، بهدف ممارسة إرهابها عليه، لفرض السيطرة الغربية عموما والأمريكية خصوصا، على ثرواته وخيراته، ومنع وحدته، وتحقيق تنميته وازدهاره، فإذا استكمل العالم العربي والإسلامي نموه وتطوره، سيصبح ندًّا للغرب ومنافسا له، وهذا أمر مرفوض غربيا وأمريكيا، وللحيلولة دون ذلك، تمَّ إنشاء إسرائيل في وسطه.
تصريح جو بايدن يفضح خرافة تأثير اللوبي اليهودي في صانع القرار السياسي بالبيت الأبيض وتحكُّمِه فيه، الرئيس الأمريكي ليس في حاجة لمن يضغط عليه، ويستحثه لتقديم الدعم لإسرائيل، وتزويدها بكل ما تحتاجه لكي تكون متغلبة على جيرانها، إنه يتطوع من تلقاء ذاته ليقدم للدولة العبرية أكثر مما قد يطلبه منه أعضاء إيباك، إلى درجة أنه مستعد لاختراعها من العدم إن لم تكن موجودة، وحتى دون أن يكون هناك ما يستدعي موضوعيا هذا الاختراع بالنسبة لليهود. ولأن إسرائيل موجودة، فإن بقاءها تَهينُ من أجله جميع القرارات التي يتعين اتخاذها لضمان استمرار هذا البقاء، ولا تهم المخاطر التي قد تترتب عن القرارات التي يتبناها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الاتجاه، وليذهب القانون الدولي ولتذهب معه إلى الجحيم حقوق الشعوب التي تقام إسرائيل على أرضها.
وحين يكون رئيس الولايات المتحدة على هذا الرأي من إسرائيل، فإنه يعكس بذلك رأي الطاقم الحاكم معه في البيت الأبيض، وفي الجيش، وفي الكونجرس، وفي المؤسسات الصناعية العسكرية والمدنية العملاقة، وفي الإعلام الأمريكي باختلاف فروعه وأذرعه، فكلهم لديهم نفس الرأي بخصوص دولة إسرائيل والحاجة إليها في المنطقة، إنها بالنسبة للنخبة الأمريكية الحاكمة، بمثابة الولاية الأمريكية الواحدة والخمسين في الشرق الأوسط، فهل في ظل هذا الوضع يجوز لنا نحن العرب والمسلمين، أن نفكر في إنشاء لوبي عربي إسلامي لينافس نظيره اليهودي من أجل التأثير في صانع القرار السياسي الأمريكي لتغيير نظرته تجاه إسرائيل؟ ألا نكذب على أنفسنا ونحن نراهن على لوبي من هذا القبيل؟ ألا نكون في رهاننا هذا كمن يشتري الأوهام؟؟؟؟
إذا ساد الهدوء والأمن والاستقرار في الدول العربية والإسلامية المجاورة لإسرائيل، وإذا تمكنت من بناء اقتصاداتها، وامتلكت استقلالها السياسي، والمالي، والغذائي، وحققت إقلاعها الاقتصادي، وصارت لديها جيوش قوية ومدربة ومقتدرة، فإن أمريكا ستعتبر ذلك خطرا محدقا بإسرائيل، ويتعين درء هذا الخطر ومنع حدوثه، قبل أن يقع ويستفحل، ويتوجب خوض الحرب الاستباقية التي تمنع وقوع الخطر على إسرائيل…
الالتزام الصارم الذي لدى الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل، كما صرّح بذلك بايدن، يمكن استبيانه في الممارسات الأمريكية بالمنطقة العربية التي تتجلى في شكل، عقوبات عشوائية مفروضة على الأفراد، والجماعات، والدول، وفي شكل حروب أهلية، وفتن طائفية، وفوضى دموية، في الدول العربية المحيطة بالكيان الصهيوني، إنها الترجمة العملية لعبارة التزام أمريكا الصارم تجاه إسرائيل، إذ اعتمادا على هذا الالتزام، تعمل واشنطن على “اختراع” إسرائيل، بمنطقتنا، في كل لحظة وحين. لكن، إلى متى سيستمر هذا “الاختراع”؟ أليس فيه ما يؤشر على أن الدولة العبرية كيان مصطنع وعدواني، وأنها، بحكم طبيعتها هذه، مهددة بالزوال، مهما كان التزام بايدن أو غير بايدن تجاهها، ومهما تمَّ حقنها بالاختراع تلو الاختراع؟