فلاديمير حسين أو بوتين صدام.. عملة واحدة في بورصة الخسران!

فلاديمير حسين أو بوتين صدام.. عملة واحدة في بورصة الخسران!

عبد الرحيم ازرويل

ما بالنا نحن المظلومين نظن أنفسنا على حق عندما نتهم بأن الغرب يكيل بمكيالين. واضح أن مصدر حكمنا نابع من دوافع أخلاقية، وكأن السياسة، داخلية كانت أو خارجية، ينبغي بالضرورة أن تخضع لدوافع معيارية.

 والحال أننا نعلم في الآن ذاته، ومنذ ماكيافيلي، أن سر النجاح في البقاء في السلطة، أو الاستحواذ عليها، أو السيطرة على مجال حيوي، هو الفصل بين السياسة والأخلاق، واستعمال المكر والكذب والعنف، أوالتظاهر بالتقوى والورع… من أجل الوصول إلى الغاية المنشودة.  

 تلك هي ممارسة ” الأمراء” كلهم، وخطط الدول كلها، إزاء ما تعتبره مصالحها. إن ما تقوم به الدول الغربية الآن لا يخرج عن هذا المنطق: حين يتعلق الأمر بالحليف العضوي إسرائيل، تنبري كل الأصوات منددة بما يلحقها أو ما قد يمسها من ضرر، وحين يتعلق الأمر بروسيا أو الصين، فالتنديد والهجوم العدواني هما القاعدة، باسم حقوق الإنسان والديموقراطية. 

والسؤال هو ما دافع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا عموما؟ 

في هذا السياق يبدو تأييد الغرب للمقاومة الأوكرانية  تحايلا، المراد منه التضييق على روسيا اقتصاديا وعسكريا للنيل منها، والنيل من العدو الاستراتيجي: الصين.  

غير أن الرئيس الروسي فيلادمير بوتين يرتكب الآن خطأً لا يماثله في مخاطره إلاّ خطأ صدام حسين عند احتلاله للكويت. صحيح، لا مقارنة مع وجود الفارق، كما يقول الفقهاء، ولكن بوتين يمنح الآن للغرب كل المبررات لمحاصرة روسيا والنيل من قدراتها، تماما كما فعل نظيره صدام حسين . 

ولك أن تتصور العواقب انطلاقا من مقايسة راهنة. 

إن بوتين، بشنه للحرب ضد أوكرانيا يعطي حلا خاطئاً لمشكل حقيقي. المشكل الحقيقي هو تجييش أوكرانيا منذ سنوات ضد روسيا، وتحضيرها للاندماج في الحلف الاطلسي، وتجريد أوكرانيا من كل ما قد يذكر بماضيها المشترك مع روسيا (لغويا، وثقافيا، وسياسيا، ودينيا…). 

الحل الخاطئ هو الحل العسكري الذي يستعدي على روسيا شعبا تربطه به لحمة الأخوة الدموية والروابط التاريخية والثقافية واللغوية والدينية… 

 ما معنى أن يدمر بوتين البنية التحتية الأوكرانية التي بنيت في جزء كبير منها في عهد الاتحاد السوفياتي؟ 

 هل تظن القيادة الروسية في موسكو أن الشعب الأوكراني سيغير آراءه لصالح روسيا بعد عودته من ملاذات اللجوء، أو بعد اكتشافه مدى حجم الدمار في بيوته وطرقه ومدنه ومرافقه الحيوية؟ 

صحيح، إن الغرب يستعمل ضمن ما يستعمل أفواج النازيين الموروثين عن الحرب العالمية الثانية – وقد اكتوى الاتحاد السوفياتي في الأربعينيات من القرن السابق من خيانة عشرات آلاف الأوكرانيين، الذين نجح النازيون في تجنيدهم، واكتساب تعاطفهم مع إديولوجيتهم. ولكن الرد لا يمكن أن يكون إسئصالياً، بل سياسيا، وإديولوجيا، وبالضرورة ديموقراطيا.  

في الأخير، فلنفكر في مدلول القرار السياسي المتخذ من طرف حاكم لا تَحُدُّ إرادته مؤسسات السلطة المضادة (garde- fou)…

 في مجال السياسة يقاس مدلول الفعل السياسي من خلال عواقبه الموضوعية، وليس من منظور مدلوله الذاتي. ذلك إن الآخرين (شعبا/ شعوبا/ أفراداً) يتكبدون عواقب الأفعال الصادرة عن الفاعل السياسي متخد القرار. 

والحال إن التقدير السياسي أو التاريخي للمسؤولية يختلف عن التقدير القانوني لها. 

 لا حكَمَ في الصراع السياسي (كما هو الحال عند اللجوء إلى العدالة المؤسسية المفروض فيها نزاهة مبدئية)، بحيث أن كل طرف من أطراف الصراع حَكَمٌ وخصم في الآن ذاته. يتم الحكم على الفعل انطلاقا من منظور واحد، حيث إن ما يعتبره الفاعل السياسي مجرد خطإٍ أو إهمال، يمكن أن يكون لدى من يتكبدون حرَّه شرا مطلقا أو استعبادا وتدميرا قاتلا.  

 في هذا الصدد إن  قيصر ألمانيا أدلى في 1918، عند وقوع الكارثة الالمانية (هزيمة ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى)، كان قد أدلى بالملاحظة التالية:

 “لم أقصد ذلك، لم أبتغه”. 

 لم تكن كارثة الهزيمة الألمانية متوقعة بالنسبة لهذا الحاكم، بل أرجعها إلى ظروف مستقلة عن إرادته وعن غاياته الأولى. 

غير أن العذر القائل باستحالة التوقع الصالح في مجال الأخلاق الخاصة، لا قيمة له في مجال السياسة. فلا يمكن لأي مسؤول سياسي أن يُداهن نفسه بادعاء براءته، فالحكم كما يقال هو القدرة على التنبؤ حيث لا يمكن لرجل السياسة أن يتذرع بفكرة اللا متوقع. 

حين لا يقوم رجل السياسة باستبصار المستقبل وقياس كل متغيراته واحتمالاته، فإنه لا يرتكب مجرد خطإٍ في التقدير، بل يرتكب “ذنباً أو خطيئة بالمعنى الأخلاقي للكلمة. لذا، ينبغي على رجل السياسة أن يقبل عواقب أفعاله، بصفته مسؤولا عنها. خاصة وأن العوارض التاريخية يمكن أن تكون أيضا إجابية تلعب لصالحه، عندها سيتقبلها بصفتها صنيعته، إذ قد تكون مصدر مجد له غير مستحق.

يصبو هذا التفكير إلى بيان أن القرارات المغامِرة لبوتين ستكون لها عواقب وخيمة على الشعبين، حتى وإن كانت مبررات حكام الكرملين قابلة للتفهم ولها ما يفسرها في المواجهة بين الامبريالية الأمريكية والدب الروسي الجريح.. تأجيج النزعة الوطنية لدي شعب كان موطنا للهوية الروسية، تدمير  للرأسمال العمراني الأوكراني، دفع الأوكرانيين وبشكل نهائي إلى أحضان الحلف الاطلسي…

هي ” آثام” تاريخية لا تغتفر!

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الرحيم ازرويل

إطار تربوي وناشط سياسي من المغرب