الحنين إلى الأشباح
باريس- المعطي قبال
ما الذي يدفع بالناس، بل ببعض الشعوب إلى تمجيد هذا الحاكم المستبد الذي لم يتخل عن السلطة إلا بعد أن أقفل بإحكام على خصومه، عذب ونفى المعارضين؟ هذا الحنين إلى الحاكم المستبد بما هو ظاهرة سيكولوجية، اجتماعية واقتصادية، يجد تفسيره في غياب التغيير، انسداد آفاق المستقبل وانتكاص المجتمع. يبقى واقع المعاش اليومي محكا يحتكم إليه المواطن لدى تقييمه لحكامة هذا السياسي أو ذاك المسؤول. ارتفاع ثمن الخبز، انهيار قطاع الصحة، تفشي العنف الخ…
كلها عناصر تتضافر لتعزيز الحنين إلى النموذج الاستبدادي: «أيام الحاكم الفلاني كان رغيف الخبز يباع بثمن رمزي»، «انتشرت السيبة في البلاد وهو وضع لم نعهده أيام الحاكم الفلاني»… تتقاسم هذا الشعور عدة بلدان في إفريقيا، أمريكا الجنوبية، العالم العربي أي البلدان التي لازالت تعيش على تركة الأنظمة اللاديمقراطية. ونعثر على نفس الظاهرة في بلدان ديمقراطية لم تتخلص بعد من تركة الماضي، مثل الحنين إلى هتلر بألمانيا وكثيرا من دول أوروبا. وتقدم لنا تونس مختبرا لهذا الحنين للحاكم المستبد وتعتبر عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، ممثلته الشرعية. نقلت ولاءها من الحبيب بورقيبة إلى زين العابدين بن علي الذي تنهل بسخاء من أيديولوجيته الشعبوية الديكتاتورية. وبمناسبة الذكري الثانية عشرة للإطاحة برجل قرطاج السابق، بدل أن تسير البارحة وأعضاء حزبها رفقة باقي الأحزاب السياسية في مظاهرة في شارع الحبيب بورقيبة، اختارت التوجه إلى القصر الرئاسي للاحتجاج ضد التوجهات الأوتوقراطية للرئيس قيس سعيد. بما معناه أن الرئيس الذي يشغل اليوم كرسي الرئاسة ليس في مكانه وأنها أي السيدة عبير موسي، الوارثة الشرعية لابن علي، هي من يستحقه! فقد حصلت المرأة الحديدية خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2019 على 17 مقعدا بنسبة 6,63%. ويرشحها بعض الخبراء إلى الحصول على الأغلبية خلال الاقتراع القادم. وعليه تعيش تونس ردة سياسية شطبت على مكاسب الثورة ووضعت البلد في كف عفريت قبل أن تستولي عليه عفريتة. يلاحظ أيضا تنامى هذا الحنين في بلدان مثل العراق، حيث ينشط في السر والعلن التكريتيون، أتباع الرئيس صدام حسين، في مصر، اليمن، الجزائر وليبيا وغيرها من الدول التي حكمها بالحديد والنار بعض الرؤساء، الذين تدشن باسمهم الشوارع، الحدائق وبعض المرافق الاجتماعية. هذا الحنين إلى الأشباح هو أحد علامات «الجهل المقدس» على حد تعبير أوليفييه روا.