مظاهرة إیرانیة كبرى في باریس ترسم ملامح لإیران المستقبل
حسين داعي الاسلام
تحاول طهران یائسة أن تحرف الأنظار عن الجانب الفارغ من القدح! وتموه واقع الشارع الإیراني بأنه خال من معارضة شعبیة تعکس الرغبة العامة في التغییر، غیر أن المقاومة الإیرانیة وضعت وتضع الصورة الحقیقیة أمام مرأی العالم في کل مکان.
ليس هناك من نظام سياسي غريب وفريد من نوعه يمکن أن يکون بمواصفات ومزايا نظام الجمهورية الإسلامية في إیران، فهذا النظام أثبت بأنه من نوعية لامثيل أو نظير له في العالم کله، وبالطبع نقصد الأنظمة الدکتاتورية، ولئن کانت الأنظمة الدکتاتورية تعمل بکل حرص من أجل ضمان بقائها ومواجهة کل التهديدات المحدقة بها، لکنها لا تصل إلى حد بأن تتمادى لتتجاوز کل الحدود، وتعتبر نفسها تمتلك تفويضا من السماء يمنحها الحق بأن تفعل کل ما تشاء من أجل بقائها، بيد أن هذا الأمر يختلف تماما مع النظام الإيراني الذي قام على أساس نظرية ولاية الفقيه، حيث يعتبر کل من يقف بوجهه کمن يقف بوجه السماء!
أکثر مايتميز به النظام الإيراني عندما تحاصره الأزمات من کل جانب ويواجه أوضاعا صعبة ويجد نفسه مهددا، فإنه يتصرف على العکس تماما مما هو فيه، فيسعى للإيحاء بأن کل أموره وأوضاعه على أحسن مايرام وإنه قد قهر أعدائه وخصومه! وهو ومن خلال هذا الأسلوب يسعى من أجل کسب العامل الزمني في سبيل تجاوز مرحلة الخطر، تماما کما يفعل الآن!
المتتبع للأحداث والتطورات الإيرانية، لا يحتاج إلى ذاکرة قوية کي يقوم بتقييم أوضاع النظام الحاکم، خصوصا وأنه وعلى أثر الانتفاضة الشعبية التي هزت النظام هزا واستمرت لستة أشهر، بحيث اضطر ومن أجل وضع حد للانتفاضة، إلى القيام بقتل وإبادة أکثر من 750 متظاهرا واعتقال مايزيد على العشرين ألفا، فإنه وبعد الانتفاضة بشکل خاص أدلى مسؤولين في النظام بتصريحات صادمة، کان من أبرزها ما کان قد أدلى به سجاد بادام، المدير العام للتأمينات الاجتماعية، من تصريحات قال فيها بالحرف الواحد إن الأوضاع قد وصلت إلى: “نقطة يتعين علينا فيها بيع جزيرتي قشم وكيش ومحافظة خوزستان لدفع رواتب المتقاعدين”، وتأکيده على أنه حتى لو تم رفع العقوبات الدولية وتم بيع 3 ملايين برميل من النفط من دون عقوبات، فإن ذلك لن يحل أزمة النظام العويصة”!
کما أن تصريحات أخرى طالبت بالإسراع بتحسين الأوضاع وحذرت کثيرا من احتمال انفجارها في أية لحظة، مع ملاحظة أن خامنئي وعشية خطبته بمناسبة بدء العام الإيراني الجديد، وعد بتحسين الأوضاع والترکيز على الجانب الاقتصادي ورفع الإنتاج، لکن المثير للسخرية أن الخبير الاقتصادي الحکومي، حسين راغفر، وبعد ثلاثة أشهر من تصريحات خامنئي، وصف في تصريحات لموقع “إقتصاد” الحکومي الوضع الحالي للاقتصاد الإيراني في ظل حکم هذا النظام بأنه”قد تجاوز الأزمة”، أي إنها أکبر من الأزمة عندما أضاف قائلا: ”لقد مر الشعب الإيراني بارتفاع الأسعار في فترات مختلفة، وللأسف لا نشاهد خطة وبرنامجا محددا للإصلاح الاقتصادي من جانب المعنيين”، في ضوء هکذا أوضاع قاتمة يسعى قادة النظام الإيراني، للإيحاء بأن نظامهم في کامل قوته، کما إنه وتزامنا مع تظاهره بالقوة بادر لتنفيذ مخطط مشبوه ضد المقاومة الإيرانية في فرنسا وألبانيا من أجل الحد من دورها ونشاطها على الصعيد الدولي، ولاسيما مع اقتراب عقد التجمع السنوي العام.
النظام الإيراني الذي استمر بحملة إعلامية واسعة النطاق للقضاء على المقاومة الإيرانية وحسم أمرها، فإن کل ذلك أشبه بمن يشير للجانب الفارغ من الکأس ويرکز عليه، ويسعى من أجل تجاهل النصف المملوء منه، وعندما نقول النصف الفارغ، فإننا نقصد بذلك تصرفات وتصريحات النظام الحالية مجرد هرطقات وخزعبلات وهروب للأمام من أجل التغطية على الأوضاع السلبية التي تحدثنا عنها، والتي هي بالأساس النصف المملوء من الکأس الإيراني! نعم لقد أخفق نظام الملالي في إخفاء الجانب الحقیقي لما یریده الشعب الإیراني الثائر، لأن المظاهرة التي شهدتها باریس العاصمة في الأول من تموز / یولیو للعام الحالي قدمت للعالم ملامح مستقبلیة لإیران الغد.