المرتزقة ما بين “كييف” و”موسكو”

المرتزقة ما بين “كييف” و”موسكو”

د. خالد العزي

مع اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية في أوكرانيا، أعلنت “روسيا في 26 فبراير- شباط، أي بعد يومين من دخول الحرب، بأن الشيشان يخوضون المعارك إلى جانب القوات الروسية، إذ أعلن رمضان قديروف عن تشكيل قوة عشرية مؤلفة من عشرة الف  مقاتل للقتال على الجبهات الأوكرانية، وصولا للسيطرة على كييف، وهي خطوة غير موفقة من موسكو، لأن الشيشان هم في النهاية روس، يخدمون في الجيش الروسي، ولا داعي للقول إنهم يتطوعون لمقاتلة الاوكرانيين. 

 هنا اتخذت العملية طابع المرتزقة، بعدها جاء الشيشان المعارضون لروسيا، الموجودين خارجها، وأعلنوا من بروكسل  بعد اجتماع موسع للجاليات الشيشانية في المهجر، وعلى لسان رئيس وزراء جمهورية إشكيريا الشيشانية في المهجر  أحمد زكاييف المعارض للنظام الروسي، أنهم سيدخلون الحرب مع اأكرانيا ضد الروس، وبالتالي أصبحت القضية تأخذ نوعا من التنافس. فطلبت أوكرانيا تشكيل “قوة الفيلق المتطوع”، معظمهم من المتطوعين “الغربيين”، الذين يتوافدون تحت شعار مساندة أوكرانيا، من الدول المجاورة التي لن تشارك دولها في الحرب بصفة رسمية وعسكرية. 

 في المقابل، روسيا كانت تطلب الدعم والتطوع من قبل جمهوريات وسط آسيا التي تنضوي في منظمة الدفاع الأمني الجماعي، حيث رفض هؤلاء الدخول في الحرب بشكل رسمي دعما للعملية الروسية في أوكرانيا، وبالتالي فإن طلب المتطوعين من هذه الجمهوريات، يدخل ضمن عقود خاصة. والروس كانوا مشهورين فيها بتأسيس مجموعة “فاغنر” التي قاتلت في أوكرانيا عام 2014، وفي سوريا عام 2015، وشاركت في ليبيا والسودان ومناطق أخرى”.  

 من هنا نرى أن من أخطر نتائج الصراع بين أوكرانيا وروسيا، مسألة استقدام “مرتزقة” إلى ساحة القتال، خاصة مع الحديث عن إحضار بعضهم من الشرق الأوسط. فبعد الشيشان وسوريا، ذكرت وسائل إعلام روسية أن متطوعين لبنانيين أعربوا عن رغبتهم في القتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا.

 إذن دور المرتزقة يقوم على ممارسة الأعمال “الوسخة” التي تحاول الدول الابتعاد عنها، كالقتل والتصفيات والسلب والاغتصاب وعمليات بيع الاسلحة والمخدرات”. 

 يعتبر تنظيم المرتزقة بشكل عام هو جيش سري للدولة، تقوم بتغذيته، ولكنها لا تتحمل مسؤوليات قانونية أو لوجستية أو امنية أو ارتباط دبلوماسي، وإنما يتم دفع أموال وتعويضات لهم للقيام بأعمال “بشعة” يمتنع الجيش النظامي عن فعلها، بالإضافة إلى أن الخسائر تكون أقل على الدولة، لأن هؤلاء لا يتبعون لها كونهم متطوعين وخير دليل، العملية التي حصلت في دير الزور عام 2018، عندما ذهب  مقاتلو “فاغنر” الذين قاتلوا في أوكرانيا، لاحتلال حقل سوري، وتمت إبادتهم من قبل الطيران الأميركي، حينها نفى الروس أي علاقة لهم بهذه الجماعة ولم يصدروا لها أي أوامر. 

 اليوم الأمر أصعب، عندما يتم إدخال متطوعين من الشرق الأوسط للقتال في صفوف الجيش الروسي، الذي لا يحتاج إلى مقاتلين، إنما يتم استقدامهم لوضعهم في المواجهة الأمامية، كأكياس رمل، لأنهم لا يعرفون طبيعة الأرض ولا اللغة ولا طبيعة المعارك، ولا يخضعون حتى التدريب، وبالتالي لن تكون لديهم قواعد للتحكم بها من خلال غرفة العمليات، لأنهم جيش غير نظامي. فروسيا تستقدم الألوية السورية، وخاصة من موالي النظام السوري، من جيش التحرير الفلسطيني، ومن لواء القدس وبعض المتطوعين، الذين يقدمون أسماءهم للقتال لأنهم يحبون روسيا، أو لأنها تجبر بعض مناصري “البعث” والنظام، بحكم أنها ساعدتهم في الحرب، وبالتالي عليهم اليوم مناصرتها، فهذا يعني أن هؤلاء المرتزقة سيكون لهم دور بشع في منطقة يجهلونها. 

  لقد أكدت الاستخبارات الأوكرانية بدء نقل مرتزقة من سوريا، تمهيدا للزج بهم في القتال إلى جانب الروس والشيشان، في حين قالت هيئة الأركان الأوكرانية إن القوات الروسية تستعد لاستئناف الهجوم في محيط العاصمة كييف بهدف تشديد الحصار عليها وارتكاب اعمال بشعة بحال دخولها. 

 من هنا  تعمد موسكو إلى خلط للأوراق، عندما يذهب السوري المسلم ليقاتل ضد الأوكرانيين والغرب، يقال للعالم كله إن المسلمين يقاتلون ضد الغربيين وضد الرئيس فولوديمير زيلنسكي، الذي يعتبر من وجهة نظرهم يهوديا، وأخذ الموضوع وجهة قومية ومذهبية، وبالتالي سيتعرض العرب لنوع من التضييق في الغرب، على قاعدة أن هؤلاء المسلمين هم ورقة بيد الروس.

 هذه نقطة خطيرة، لأنها ستدفع بالجهاديين للذهاب إلى القتال، ليس بسبب الحاجة المالية، بل لأسباب عقائدية تدفع المتأثرين إسلاميا للقتال ضد الروس، ثأرا لما حصل معهم في سوريا وأفغانستان، وبالتالي ندخل في المحظور، وتصبح المعركة خطيرة ومعقدة، تتحكم بها عناصر مختلفة متطرفة وصراع الأضداد، ويصبح المرتزقة أحجارا تتحرك، وربما شاهدناهم في دول كثيرة كان لها تاثير فعلي بعد إنهاء الحروب، كما في البوسنة والشيشان وأفغانستان، ويصبح هؤلاء مجرد منفذي مخططات ورغبات شخصية ويطيلون عمر الحرب، التي سرعان ما تتحول إلى حرب استنزاف فتصعب بالتالي عملية الجلوس إلى الطاولة للتفاوض”. 

هذا الأمر سيؤدي إلى استنهاض الشعور اليميني في أوروبا، وقد رأينا التعامل والتمييز من قبل الأحزاب اليمينية مع المهاجرين واللاجئين من أوكرانيا، معتبرين أنهم مهاجرون أوروبيون، متناسين أن المهاجر واللاجئ واحد ويجب الاهتمام به حسب قانون حماية الإنسان في الأمم المتحدة.  

 إن الإصرار الروسي الدائم في وسائل الإعلام وفي خطابات القيادة الروسية، بأنها تنظف أوكرانيا من النازية الجديدة وتصحح خطأ تاريخيا قد يفتح شهية دول أخرى (خاصة في دولنا العربية) من أجل تصحيح أخطاء تاريخية وتصحيح حدودها. كما قد تكون فرصة للجهاديين القادمين من افريقيا وأفغانستان والشرق الأوسط، للتواجد في أوروبا لفرض أجندات خاصة، لأن هذه القوى المتطرفة أو الجهادية تستفيد منها ويستثمرها الكثير من المخابرات العالمية، وخاصة الرأسمال العالمي الذي يخدم مصالح مؤسسات صناعية وتجارية تحت أسماء مختلفة، كالصراع المذهبي والثأر، فالمشكلة الاوكرانية ــ الروسية لا تحتاج إلى فتح الأبواب أمام المتطرفين، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، وبالتالي عندما يسيطر المتطرفون على مواقع يصبح صعبا على الدولة معالجة الوضع.  

 روسيا تريد زرع إسفين جديد في الداخل الأوروبي، من خلال اللعب على الورقة القومية في مخاطبة اليمن المتطرف الصاعد، ومناجاة شعوره القومي بتوافد المتطرفين الإسلاميين إلى أوروبا، مما ينمي فكرة الحقد والصراع الحضاري وخاصة بأن الرئيس بوتين يملك علاقات مميزة مع اليمين في فرنسا وهنغاريا والنمسا، ويقدم لهم المساعدات  المالية الكبيرة.

لذا يكمن دور التطرف في الحروب بشكل مرعب ومربك، ربما البوسنة كانت مثلا حيث استطاع المفكر والرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش التفاهم مع المتطرفين الذين أتوا لنصرة المسلمين في البوسنة، عبر طرح ثلاثة شروط صعبة، إما البقاء في الدولة كمواطنين وتسليم سلاحهم، أو الحصول على أموال لقاء خدمتهم والرحيل، وإلا سيتم اعتقالهم وسجنهم، لكن الخطة فشلت في الشيشان والسودان والعراق وسوريا. وبالتالي ذهاب أي عربي يذهب لمقاتلة أو نصرة هذا الطرف على ذاك، سيكون ثمنه باهظا لكل الجاليات العربية في الخارج، الذين يقحمون أنفسهم في صراع خطير، لأن المرتزقة لا يخضعون لأي قانون، والدول لا تسأل عنهم، والعقد المالي محدود، والأهالي لا يستطيعون استرجاع جثث أبنائهم، وإذا تم اعتقالهم يحاكمون كمجرمي حرب. وأكبر مثال أطفال ونساء داعش في العراق ومناطق الحكم الذاتي في سوريا. ففي النهاية، سيجلس الجميع إلى الطاولة، وأي حل سيكون على حساب المرتزقة، بغض النظر عن الانتصار أو الهزيمة. 

 فإذا كان بعض المتطرفين يقدمون أنفسهم أكياس رمل من أجل الآخرين، للحصول على بضعة دولارات نتيجة الوضع  المعيشي الصعب، لكن ليس هؤلاء من يتحكم بمقاليد المعادلة وغنما من له أجندة معينة يحاول استخدام النقاط الرخوة في مناطق الحروب.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني