أحمد عصيد يثير النعرة العرقية.. دفاعا عن التطبيع
عبد السلام بنعيسي
في دفاعه عن نفسه حول اقترافه لجريرة التطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم، الجريرة التي يتبناها ويدافع عنها، يُفسّرُ أحمد عصيد الأمر على النحو التالي: إنه، بعواطفه، كمواطن، مع الجماهير الشعبية التي خرجت بمئات الآلاف في الشوارع المغربية منددة بالتطبيع ورافضة له، ولكن، عندما يستعمل عقله، من موقع المثقف والمفكر، فإنه يقف إلى جانب الدولة في قرار التطبيع، ويساندها في قرارها المطبّع…
لا نفهم لماذا يحشر عصيد نفسه بين أقدام الدولة، ويجعل من ذاته، أداة من أدواتها الترويجية للتطبيع. الدولة لها مؤسساتها، من إذاعات، وقنوات تلفزيونية، ومواقع للنت، وجهاز حكومي، وبرلمان، وجمعيات، ومنظمات، ولها إدارة، وجيش من المنتفعين من المال العام الذين لا شغل لهم إلا الترويج لخطابها، والدفاع عنه بكافة الوسائل. الدولة ليست في حاجة لعصيد لكي يتطوع ويكون واحدا من أفراد الطاقم الذي يتكفل بترويج دعايتها.
المفكر والمثقف والفيلسوف عصيد، كما ينعته بهذه الصفات، أتباعه ومريدوه، يفترض فيه أن يترك مسافة بينه وبين قرارات السلطة، وأن يسائلها حول هذه القرارات، ويحاسبها عنها، وأن ينظر إلى كل ما تتخذه، بعين الكائن القلق، واليقظ، والمحترس مما تُروّجُ له، خصوصا، عندما تكون القرارات الصادرة عن السلطة، غير معبرة عن الوجدان الشعبي، بسبب أنها قرارات ليست منبثقة من سلطة نابعة من الإرادة الشعبية في انتخابات حرة ونزيهة…
كبارُ المفكرين في الغرب يرفضون ويعارضون بشدة العديد من القرارات الصادرة عن حكومات منتخبة في بلدانهم، خصوصا عندما تكون قرارات ذات طبيعة فوقية وغير شعبية، وينددون بها، من منطلق الرغبة في استمرار هؤلاء المفكرون في أداء أدوارهم الطلائعية، والتثقيفية، والمشاكسة لقرارات السلطة، والمتطلعة لقرارات أفضل وأرقى منها، لكن عندنا نحن، فإن ” المفكر والمثقف والفيلسوف” السي عصيد يتبنى الخطاب السلطوي، المطبع مع دولة عنصرية، ودولة احتلال، وإجرام، وقتل، وتهجير، وتدمير، ولا يمانع في أن يصبح مروجا للتطبيع معها، ولا يجد غضاضة في التحول إلى بوق يمارس الدعاية المجانية لفائدة هذا التطبيع، بدعوى أنه يُشغّلُ عقله في تبنيه لهذا الخيار، بخلاف باقي الرافضين للتطبيع والمتظاهرين ضده، الذين تتحكم فيهم عواطفهم، وليس عقولهم، ولاشك في أنهم مخطئون في ذلك، وفقا لسياق تحليل صاحبنا.
وما يثير الدهشة والاستغراب هو الكيفية التي يجيب بها السي عصيد المختلفين معه في الرأي حول هذا الموضوع، ولتبيان ذلك، لنقرأ تدوينة نشرها في حائطه على الفايسبوك حيث ضمّنها التالي: ((( اتُّهم الأمازيغ بالعمالة للأجنبي بينما كانوا مقاومين وبارك غيرهم نظام الحماية، واتُّهموا بتهديد الوحدة الوطنية فجاءت الفتن من إيديولوجيا العروبة ومن الإسلام السياسي، واتُّهموا بالصهيونية بينما تسابق العرب وما زالوا نحو التطبيع، واتُّهموا بالعرقية بينما صنع الذين اتهمومهم ” شجرات أنساب” ضمنوا بها امتيازات لأنفسهم)))…
الملاحظ هنا هو أن عصيد يردد دائما المعزوفة المشار إليها أعلاه، إنها دائما على لسانه، المختلفون معه في الرأي ينتقدونه لشخصه، وهو يتحدث عنهم وكأنهم يشتمون الأمازيغ، إنه يحاول اختزال الأمازيغ في ذاته، أو كأنه موكول من طرفهم ليكون الناطق الرسمي باسمهم، صاحبنا يريد بهذا الأسلوب استنفار النعرة العرقية ليحتمي بها، بدل أن يناقش الأفكار من منطلق أنه فردٌ يُعبِّرُ عن رأي شخصي، وليس عن رأي الأمازيغ كلهم. وكما هو معروف فالأمازيغ شريحة اجتماعية مغربية كبيرة جدا، وتضم أشخاصا من ألوان ومواقف سياسية وإيديولوجية مختلفة، ومتباينة تماما، وغالبيتهم الساحقة لا تشاطر عصيد آراءه، فلماذا يقحمها في مواقفه السياسية، ويريد أن يجعل من كافة الأمازيغ صورة طبق الأصل لذاته؟؟؟
لا يدلنا صاحبنا على مَنْ هذا الذي يتهم الأمازيغ بالعمالة للأجنبي؟ ومتى تم ذلك؟ واضح أن المقصود بكلام عصيد هم المغاربة من أصول عربية، لكن للحقيقة، فإن هذا الاتهام صادر عن عصيد لوحده، أما باقي المغاربة، فإنهم لا يميزون بين بعضهم البعض في المواقف السياسية على أساس عرقي، فكما يوجد في الأمازيغ عملاء وخونة، يوجد أيضا في العرب خونة وعملاء، وكما نعثر على أناس أمازيغ شرفاء، ونزيهين، ومناضلين، نجد أيضا عربا على نفس المنوال. فرية اتهام الأمازيغ بأنهم عملاء، ليجعل المقابل لذلك أن (( غيرهم، أي العرب، بارك نظام الحماية))، هذا قول غير علمي، وغير مؤسس على معطيات تاريخية مؤكدة، ولا يجوز أن يصدر عن رجل يعتبر نفسه مفكرا وفيلسوفا. هذا الكلام لا يصدر إلا عن حاقدٍ على العرب..
ويمضي عصيد في توزيع الاتهامات وإطلاق الأوصاف القدحية وكيلها للمغاربة من أصل عربي حين يقول: (( واتُّهموا- أي الأمازيغ- بتهديد الوحدة الوطنية فجاءت الفتن من إيديولوجيا العروبة ومن الإسلام السياسي))، مرة أخرى من الذي يتهم الأمازيغ بتهديد الوحدة الوطنية؟ هذا اتهام باطل وكلام مطلق على عواهنه، لا أحد يملك سلطة توجيه الاتهام لمكون هوياتي كبير من أبناء الشعب المغربي بتهديد الوحدة الوطنية، فهذه الوحدة مصانة بالعلاقات الاجتماعية، والإنسانية، وبالتصاهر، وبالتزاوج، والتعاون، والمصالح المشتركة، والنضالات التي خاضها المغاربة عربا وأمازيغا، لقرون متلاحقة، ضد حملات الغزو الأوروبي التي كان يتعرض لها المغرب، على مدار تاريخه، وفي حقبة الاستعمار، حيث امتزجت الدماء المغربية من أجل نيل الحرية والاستقلال من المستعمر الفرنسي.
لا يحدد لنا عصيد ما هي الفتن التي جاءته إلى المغرب من العروبة ومن الإسلام السياسي؟ أين هي؟ ولماذا لا يقوم بتشخيصها لنا بأمثلة محسوسة لكي لا يظل كلامه تجريديا ولا يعني شيئا. إذا كان المقصود بالفتن هي قضية الصحراء المغربية، فهذا مشكلٌ صنعته الطغمة العسكرية الجزائرية الموروثة من الحقبة الاستعمارية الفرنسية، فجنرالات الجزائر الذين اختلقوا هذه الأزمة، لا يعدون كونهم خدما عند الفرنسيين والغرب الاستعماري، وينفذون أجندته في منطقة المغرب العربي/ الأمازيغي، ولا تربطهم أي صلة، لا بالعروبة، ولا بالإسلام السياسي، وغير السياسي…
ويسترسل عصيد في إتحافنا بمقولاته من قبيل: (( واتُّهموا- أي الأمازيغ- بالصهيونية بينما تسابق العرب وما زالوا نحو التطبيع))، مرة أخرى وأخرى من الذي يتهم الأمازيغ بالصهيونية؟ منْ قال مِن الأمازيغ للسي عصيد أن هناك من يتهمهم بالصهيونية؟ الشارع المغربي الذي يخرج متضامنا مع نضالات الشعب الفلسطيني، ومنددا بالمجازر والمذابح التي يقترفها ضده جيش الكيان الصهيوني، لا يمكن لأي كان أن يميز فيه الأمازيغي عن العربي من بين المتظاهرين. مدن أمازيغية صرفة، تقريبا، مثل أكادير، خرجت جماهيرها متضامنة مع الفلسطينيين، ومنددة بالتطبيع، فكيف سيقفز المرء على هذه المعطيات المسلم بها والمرئية بالعين المجردة، لكي يتهم الأمازيغ كلهم بالصهيونية؟ من يفعل ذلك، كأنه يقول عن نفسه، إنه أخرق وأحمق…
وإذا كان هناك من تسابقوا نحو التطبيع، كما قال عصيد، فإنهم بعض الحكام العرب والجوقة المحيطة بهم، في حين ظلت شعوبهم ترفض التطبيع وتدعو لكسره، وعلى كل حالٍ، فإن السي عصيد الذي لا يقبل لنفسه أن يكون عربيا، وهو يُعرّف ذاته بأمازيغيته، وبكونه ناشطا أمازيغيا، ومناهضا للعروبة وللإسلام السياسي، هو واحدٌ من المطبعين، ومن المؤيدين للدولة المغربية في قرارها حول التطبيع. فإذن ليس العرب وحدهم الذين تسابقوا حول التطبيع، ” الفيلسوف” الأمازيغي عصيد، كان في مقدمتهم، على رأس المطبعين، ربما جريا وراء امتيازات مادية…
ويختم عصيد تدوينته بالفول عن الأمازيغ: (( واتُّهموا بالعرقية بينما صنع الذين اتهمومهم ” شجرات أنساب” ضمنوا بها امتيازات لأنفسهم)). الرجل يُلفّقُ الاتهامات للأمازيغ وينسبها لغيره. النسيج الاجتماعي المغربي متجانس ومتكامل ومندمج والحمد لله على نعمته هذه. العرقية لا توجد إلا في نفسية بعض المرضى العرقيين، وليسوا من الأمازيغ بالضرورة، فقد يكون عرقيا أيضا المغربي من أصول عربية، أو إفريقية، أو أندلسية، لكن هؤلاء نقطة ماء، تكاد لا تذكر، وسط المحيط المغربي الاجتماعي الهائل الذي لا تمييز فيه بين المغاربة، على أساس عرقي، أو قبلي، أو لون، أو دين..
وشجرة الأنساب التي يتحدث عصيد عنها، هي من صنع أسرٍ معدودة على رؤوس الأصابع، ولم تعد تفيد أصحابها في شيء، ولا يمكن الاعتداد بها في نظر المواطنين، فهي في طريقها للتلاشي مع انتشار التعليم والمعرفة والقضاء على الأمية والجهل، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه يوجد في مقابل ” شجرة الأنساب”، سعيٌ محموم من طرف بعض النشطاء، للبحث في الجينات، للتأكيد على أن أصول الأمازيغ، ليسوا من المشرق ومن اليمن، وإنما من أوروبا. فلماذا السي عصيد يؤكد على هذه ويسكت عن تلك؟ ما هذا التمييز في المقاربات للظواهر المشينة؟؟؟
عندما يضع السي عصيد الأمازيغ كلهم في كفة واحدة ويضع العرب جميع في كافة أخرى، ويجعل منهما كفتين متقابلتين ومتعارضتين في كل شيء، وبينهما برزخ لا يبغيان، أليست هذه هي العرقية في أبهى صورها؟ وعندما يصف العرب بأنهم كانوا مباركين لنظام الحماية، في حين كان المقاومون هم الأمازيغ، وحين ينعت العرب بأنهم جاؤوا بالفتن إلى المغرب، وأنهم يتسابقون نحو التطبيع، وأنهم يصنعون لأنفسهم شجرات أنساب من أجل الحصول على الامتيازات، ألا يكون بكلامه هذا، يروِّجُ للغة تحرض على الانقسام بين المغاربة من أصول عربية وأشقائهم من أصول أمازيغية؟ أليست هذه دعوة صريحة للتمييز، وإثارة الفتنة، وضرب الوحدة الوطنية وتفتيتها؟ أليس هذا هو ما تمكن من تحقيقه الغرب الاستعماري بقيادة أمريكا في المشرق العربي، ويسعى لإعادة إنتاجه في المغرب العربي/ الأمازيغي، وكل ذلك لتأمين الحماية للكيان الصهيوني، وضمان استمراره، مسيطرا على المنطقة برمتها؟؟؟؟
من يريد أن يفصم عرى التواصل بين المغاربة، ويبني جدرانا من الحقد تفصلهم عن بعضهم، ومن يسعى إلى تغيير هويتهم الحضارية التاريخية، ونقلهم إلى الصف الصهيوني الإمبريالي، ستظل مساعيه عبثا وبلا جدوى، لأن المغاربة، متشبثون بوحدتهم الوطنية، وحريصون على مؤسساتهم الدستورية، وعلى مواقفهم النضالية المناهضة لجرائم الكيان الصهيوني العنصري، والداعمة للقضايا العادلة، وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني المظلوم، مهما كانت أصولهم الهوياتية.