جبهة لبنان المرتبطة بحرب غزة على شفير الهاوية

جبهة لبنان المرتبطة بحرب غزة على شفير الهاوية
أحمد مطر
 
     دخول حرب غزة شهرها الرابع، تبدو الساحة الجنوبية تسير، يوماً بعد يوم، متسارعة باتجاه انهيار ضوابط قواعد الاشتباك، في ظل أوضاع متأزمة لا تقتصر على طرف بحد ذاته.
   ويبقى التصعيد العسكري الحاصل بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، يخفي في طياته سباقا على تفاهمات واتفاقات تعقب انتهاء العمليات العسكرية، وتمهد لمرحلة إعادة الأوضاع واستتباب الأمن والسلام التي تليها، والمكاسب والإخفاقات التي يجنيها هذا الطرف أو ذاك، بالرغم من المخاوف من تحوله إلى حرب واسعة النطاق بين الطرفين، تتجاوز حدود قواعد الاشتباك القائمة في المناوشات وعمليات القصف وتبادل إطلاق النار السائدة حتى اليوم.
   ولعل ما يقلل من احتمالات انفجار الأوضاع على نطاق واسع بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي، بما يتجاوز ما يجري حاليا على الحدود الجنوبية اللبنانية، وبما يشبه الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة، حصول أكثر من تطور واستفزاز قامت به إسرائيل ضد الحزب في لبنان، وفي مقدمته الجرأة على اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري ورفيقيه في الضاحية الجنوبية لبيروت، وضمن المربع الأمني لحزب الله مؤخرا، بالإضافة إلى اغتيال وسام الطويل، أحد كوادر النخبة في حزب الله، في محاولة مكشوفة لاستجرار ردة فعل استثنائية للحزب على هذه الجريمة، تتجاوز تداعياتها ومؤثراتها، قواعد الاشتباك القائمة بين الطرفين، وتؤدي إلى تفلت الأوضاع نحو حرب مفتوحة وعلى نطاق واسع. ولكن ما حصل أن حزب الله استوعب الضربة، ورد عليها ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها، لتنفيس احتقان جمهوره، ولكن لم يتجاوز حدود الاشتباك القائمة مع الإسرائيليين.
   لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تجاوزت عمليات القصف والتحرش الإسرائيلي أماكن بعيدة عن مناطق الاشتباكات المعهودة، واستهدفت كوادر أساسية من الحزب، وبقيت ردود الفعل عليها، بعيدة عن التفلت والحرب المفتوحة.
   وفي المقابل، ركزت مواقف المسؤولين الأميركيين على كل المستويات، وآخرهم وزير الخارجية أنطوني بلينكن في جولته على بعض دول المنطقة، على حصر الحرب الدائرة في قطاع غزة، ومنع توسعها شمالا مع حزب الله، وذلك بالتزامن مع دعوة مماثلة من فرنسا وبريطانيا والاتحاد الاوروبي، ما شكّل موقفا موحدا ورافضا لتوسع الحرب الإسرائيلية تجاه لبنان، وحرم الدولة العبرية أي غطاء على هذا المستوى لتوسعة عملياتها العسكرية ضد الحزب واستهداف لبنان من خلالها.
   وقد بات هذا التوازن الدقيق في المواقف الأميركية والأوروبية الرافض لتغطية أي اعتداء إسرائيلي على لبنان، مقابل عدم انجرار حزب الله لردات فعل غير محسوبة على الاختراقات وعمليات الاغتيال الإسرائيلية بالداخل اللبناني، ورفض النظام الإيراني لأي مغامرة غير محسوبة خارج حساباته ومصالحه مع الغرب، هو الذي يمنع الزج بلبنان في الحرب الإسرائيلية حتى اليوم، في حين يخشى أن تطول حرب غزة أكثر وما قد ينتج عنها من تداعيات وتدهور، يمكن أن يتجاوز هذا التوازن الدقيق، ويزيل الغطاء والموانع الإقليمية والدولية التي تحمي لبنان اليوم.
   وتبقى في خلاصة التهديدات الإسرائيلية اليومية والمتكررة ضد حزب الله ولبنان، الدعوة لحل سياسي لمشكلة التصعيد العسكري الحاصل بين حزب الله وقوات الاحتلال، عنوانها إنهاء الوضع السائد على طول الحدود اللبنانية الجنوبية وتنفيذ القرار 1701، بمضمونه أو بصيغة تفاوضية، باتت موضع أخذ ورد وتبادل آراء واستطلاع وجهات نظر وطرح تعديلات، تشمل مطالب واقتراح حلول للمشاكل الموجودة على الحدود ومطالب والتزامات، وفي المقابل دعوة صريحه أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لاستغلال الفرصة، لم يحصل بالاشتباكات العسكرية مع الإسرائيليين، لتحرير آخر شبر من الأراضي اللبنانية المحتلة. ما يعني أن الحزب يقابل مساعي التفاوض لإيجاد حل للأوضاع المتدهورة جنوبا بالقبول وليس بالرفض. وهذا يصب في مصلحة لبنان، إذا كانت المفاوضات تتولاها الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية حصرا، بما يصب في بسط سلطتها وسيادتها على كل الأراضي اللبنانية.
   ختاماً، مهما قيل عن بذل أصدقاء لبنان وِسعهم لمنع توسع حربِ لا يريدها الجميع، فإنه لا ضمان ألا يؤدي اللعب بالنار إلى اشتعال المسرح برمته، ما سيؤذي إسرائيل حتماً، لكنه سيدمر ما تبقى من مقومات الحياة في لبنان.
Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني