لبنان والتصعيد المراقب بظل المفاوضات

لبنان والتصعيد المراقب بظل المفاوضات

 أحمد مطر

     يترقب اللبنانيون بكثير من الحذر، أن تؤدي المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحركة حماس، بوساطة أميركية ومصرية وقطرية، إلى الاتفاق على وقف مؤقت أو نهائي لاطلاق النار للحرب الإسرائيلية العدوانية الجارية على قطاع غزّة منذ عملية طوفان الأقصى، باعتبارها تبدد المخاوف من توسع رقعة الاشتباكات بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، وتحولها إلى حرب شاملة، على أن تؤدي فيما بعد إلى وقف الاشتباكات المسلحة بين الطرفين، وتهدئة الأوضاع وإتاحة المجال أمام تفعيل الاتصالات والمشاورات السياسية والديبلوماسية، للتوصل إلى حل المشكلة على الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل.

   اهتمام اللبنانيين بتطور مفاوضات الهدنة في غزة الجارية في الدوحة، لا يقل عن متابعتهم، وبكثير من الاهتمام، نتائج مبادرة كتلة الاعتدال النيابية وجولاتها على الأطراف السياسية، استعداداً لجلسات المشاورات في مجلس النواب، حول مجريات الاستحقاق الرئاسي.

  لا علاقة مباشرة بين ملف غزة والملف الرئاسي اللبناني، ولكن التوصل إلى هدنة في القطاع من شأنه أن يساعد في دفع الانتخابات الرئاسية في لبنان، حيث تنتفي مبررات انتظار نتائج الحرب، وتصبح مسألة إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان أكثر إلحاحاً، لمواجهة الاحتمالات المطروحة لمرحلة اليوم التالي، بما فيها الحديث عن مؤتمر إقليمي، دولي لتنظيم السلطة الجديدة في القطاع، والبحث في خريطة حل الدولتين والمشاكل الحدودية بين لبنان والجانب الإسرائيلي.

  من المبكر الكلام عن احتمالات الفشل والنجاح لمبادرة الاعتدال، ولكن محاولة تحريك المياه الرئاسية الراكدة، تستحق إعطاءها الفرصة اللازمة التي تحظى بتعاطف من اللبنانيين، وبتشجيع ضمني من اللجنة الخماسية، لعلها تحقق اختراقاً ما في جدار الأزمة الرئاسية، وتنجح في إعادة فتح أبواب قصر بعبدا.

‎  ولكن برغم كل الآمال والتوقعات بإمكانية تأثر الوضع في جنوب لبنان إيجابا، جراء توقف الحرب الإسرائيلية على غزة، تبقى الأسئلة التي تدور في الأذهان، عن مدى سلوك مسار التهدئة ذاته الذي يسري في غزة، على الحدود اللبنانية الجنوبية وبالتوقيت نفسه، أم أنه يسلك مسارا مختلفا كليا.

‎  استنادا إلى مواقف حزب الله التي كررها أكثر من مرة، منذ إعلانه فتح جبهة الجنوب اللبناني تحت عنوان التضامن مع غزة واشغال قسم كبير من قوات الاحتلال الاسرائيلي عن المشاركة في الحرب العدوانية ضد الفلسطينيين، يمكن توقع انسحاب أي اتفاق لوقف الحرب في غزة، على الأوضاع في جنوب لبنان، كما حصل خلال اتفاق التهدئة السابق الذي حصل بين حركة حماس وإسرائيل، وإن يكن مسار التوصل إلى اتفاق دائم بين الحزب وإسرائيل، قد يأخذ منحى مغايرا، عما يحصل في غزة، لاختلاف المكان والظرف، وقد يأخذ مسارا اقل تعقيدا، أو أطول مما يتوقعه البعض.

‎  وما يعزز التوقعات بإيجابية وقف النار بغزة على الجنوب اللبناني، رغبة حزب الله وإسرائيل، بالاستمرار في حصر الاشتباكات المسلحة ضمن حدود معينة، برغم كل الاختراقات التي ارتكبتها إسرائيل بتنفيذ اعتداءات وحوادث اغتيال خارجها، في الداخل اللبناني، بعيدا عن مناطق الاشتباكات الدائرة على جانبي الحدود الجنوبية، وعدم الانجرار إلى الحرب الواسعة والشاملة بين الطرفين، بالرغم من كل التهديدات والتحضيرات الإسرائيلية بهذا الخصوص.

‎  هذه الرغبة بعدم الانجرار إلى توسعة نطاق الاشتباكات المسلحة الدائرة بين الحزب وإسرائيل، وانخراط الجانبين في المساعي والجهود الديبلوماسية الدولية المتواصلة، بشكل غير مباشر لحل مشكلة الاشتباكات المسلحة على جانبي الحدود الجنوبية، تؤشر إلى استغلال الطرفين لأي وقف لإطلاق النار في غزة، لتهدئة الأوضاع المتدهورة في جنوب لبنان، والبحث في إنهاء التصعيد العسكري الحاصل وإرساء السلم في المنطقة، برغم كل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بشن عملية واسعة ضد حزب الله، لتغيير الوضع السائد هناك بالقوة، باعتبار أن مثل هذه التهديدات إنما تهدف لتحسين شروط التفاوض، في ضوء المساعي المتواصلة التي يبذلها المستشار الرئاسي الأميركي أموس هوكشتاين منذ أشهر، لهذه الغاية، وقد قطع شوطا لا بأس به باتجاه التوصل إلى تفاهم لإنهاء الاشتباكات والتوتر المتصاعد جنوبا، وقد يكون اتفاق وقف النار في غزة، عاملا مؤثرا وحاسما باتجاه التوصل إلى التفاهم المطلوب.

  ختاماً في النهاية لا بد، أن تصل الحرب على غزة إلى نهاياتها في المستقبل المنظور، وسيفتح ذلك الباب أمام الدبلوماسية الدولية للتحرك للملمة آثار الحرب وتضميد الجراح وإعادة البناء، والبحث عن مشروع يعطي الأمل بترسيخ حالة هدنة طويلة أو يؤسس لسلام دائم، وسيشكل هذا التوجه اللحظة المؤاتية التي ينتظرها لبنان للخروج من أزماته الداخلية، وبما يفتح الباب أمامه لاستعادة الدولة لسيادتها على حدودها الجنوبية.

Visited 12 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني