النظام السياسي اللبناني.. من الانهيار إلى إعادة البناء
د.اليان سركيس
على مدى أكثر من أربعين عامًا وأكثر ، حكمت نفس الطبقة السياسية لبنان . هذه الطبقة التي تُعرف بفسادها واعتمادها على الزبائنية السياسية والمحاصصة الطائفية، أدت إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. اليوم، بينما يتقاذف القادة السياسيون الاتهامات فيما بينهم، يعاني الشعب اللبناني من تداعيات انهيار هذا النظام الذي لم يعد قادرًا على الاستمرار بما يزيد الأمور سوءًا هو استغلال هذه الطبقة الحاكمة لما تبقى من خيرات لبنان البشرية والاقتصادية بهدف الحفاظ على مواقعهم في السلطة. في ظل هذا الواقع، بات من الواضح أن هناك حاجة ملحة لبناء لبنان على أسس جديدة، تضمن العدالة الاجتماعية والمساواة وتحرر البلاد من القبضة الخانقة للطبقة الحاكمة.
جذور الأزمة
تعود جذور الأزمة اللبنانية الحالية إلى النظام الطائفي الذي تأسس في أعقاب استقلال لبنان في عام 1943. هذا النظام الذي يقسم السلطة بين الطوائف المختلفة، خلق بيئة خصبة لنشوء الزبائنية السياسية، حيث أصبح الولاء للطائفة أو للزعيم السياسي أكثر أهمية من الولاء للدولة. بمرور الوقت، أصبحت هذه الزبائنية جزءًا لا يتجزأ من الثقافة السياسية في لبنان بما يعرف *بالعرف* ، مما أدى إلى ترسيخ الفساد والمحسوبية على حساب الكفاءة والعدالة بين جميع أفراد المجتمع .
النظام الطائفي لم يقتصر فقط على تقاسم السلطة، بل شمل أيضًا تقاسم الموارد الاقتصادية والتأثير السياسي، مما أدى إلى توسيع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وإضعاف مؤسسات الدولة. ومع مرور الوقت، باتت الدولة اللبنانية عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، مما زاد من تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
الانهيار الاقتصادي والاجتماعي
في السنوات الأخيرة، شهد لبنان تدهورًا اقتصاديًا غير مسبوق، تفاقم بفعل الفساد المستشري وسوء الإدارة للمال العام. فقد أدت السياسات الاقتصادية الفاشلة إلى تضخم الدين العام، وانهيار العملة المحلية والأكثر بانها وحدها هذه الطبقة الفاشلة لا يكفي بانها سرقة ونهبت المال العام بل سرقت اموال وجنى عمر المودعين واليوم تسعى إلى شطب الاموال عبر خطة خبيثة واضحة الاتجاه التي تصب في مصلحتهم الشخصية فقط لا غير.
كل ما ذكرناه قد أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. إلى جانب ذلك، تأثرت البنية التحتية بشكل كبير، حيث أصبح الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم شبه مستحيل للعديد من اللبنانيين.
في ظل هذه الظروف، بات من الواضح أن النظام السياسي كان ولم يعد قادرًا على إدارة شؤون البلاد أو تلبية احتياجات المواطنين. بل على العكس، يبدو أن الطبقة الحاكمة تسعى فقط للحفاظ على مواقعها في السلطة وان يبقوا حتى آخر نفس من حياتهم، حتى لو كان ذلك على حساب تدمير ما تبقى من لبنان.
التشرذم والانقسام
أدى الفشل والفساد المعتمد المتواصل للنظام السياسي في لبنان إلى زيادة التشرذم والانقسام داخل المجتمع اللبناني. فبدلاً من أن تكون الدولة هي المرجعية الوحيدة، أصبحت الطوائف والأحزاب السياسية هي المهيمنة وكل من يشد على نفسه ، مما أدى إلى تآكل وحدة البلاد. هذا الانقسام ليس فقط على المستوى السياسي، بل أصبح يمتد إلى كافة جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث بات كل طائفة أو حزب يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة فقط على حساب المصلحة الوطنية.
في هذا السياق، أصبحت الدعوات لإعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس جديدة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فالنظام السياسي الحالي أثبت فشله، ولم يعد من الممكن الاعتماد عليه لتحقيق استقرار أو تنمية حقيقية في البلاد.
الحاجة إلى بناء نظام جديد
إعادة بناء لبنان تتطلب إعادة النظر في الأسس التي قام عليها النظام السياسي منذ تأسيسه حتى يومنا الحالي. من الضروري ان نسعى بكل جهودنا وقوانا العقلية إلى أن نبني نظام علماني يضمن فصل الدين عن السياسة، ويعزز من مبدأ المواطنة على حساب الطائفية. يجب أن يكون هناك قانون انتخابي جديد يتيح تمثيلًا عادلًا لكافة فئات المجتمع، ويعطي الأولوية للكفاءة والنزاهة بدلاً من الولاء الطائفي أو السياسي.
إلى جانب ذلك، يجب أن يكون هناك إصلاحات شاملة في كافة مؤسسات الدولة واولها فرض قبضة الجيش الوطني وحده على حماية لبنان وعلى كل أراضيه، علينا تعزيز الشفافية والمساءلة، ومكافحة الفساد بشكل جذري. يجب أن يكون القضاء غير مصنف او محسوب او معين من قبل اي زعيم وان يكون مستقلًا ونزيهًا، قادرًا على محاسبة المسؤولين الفاسدين دون أي تأثير أو ضغط سياسي من اي جهة كانت.
كما أن هناك حاجة ماسة لإصلاح النظام الاقتصادي، بحيث يكون أكثر عدالة وشمولية. يجب أن يتم التركيز على تطوير القطاعات الإنتاجية وخلق فرص عمل للشباب والشابات والاستفادة من خبراتهم وقدراتهم الإنتاجية لصالح البلد وعدم تباعية سياسة التصدير لهذه الطاقات، وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء. كما يجب أن يكون هناك سياسات اجتماعية تضمن الوصول إلى الخدمات الأساسية لجميع المواطنين كالطبابة والتعليم، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو السياسية.
التحديات المستقبلية
لا شك أن عملية إعادة بناء لبنان ستكون مليئة بالتحديات. فالتغيير لن يكون سهلًا في ظل وجود طبقة سياسية متجذرة في السلطة ومتمسكة بمصالحها الخاصة. كما أن هناك مخاوف من أن يؤدي التغيير إلى مزيد من الانقسامات والصراعات، خاصة في ظل الوضع الإقليمي المتوتر والتدخلات الخارجية الواضحة عبر ازرعنها في الداخل.
ومع ذلك، فإن تحقيق التغيير أصبح ضرورة لا يمكن تأجيلها. فاستمرار الوضع الراهن يعني المزيد من التدهور والانهيار، مما سيؤدي في النهاية إلى ضياع لبنان كدولة. لا حل إلا بارادة الشعب اللبناني وحده قادر على التغيير وعليه من جديد أن يتكاتف لتحقيق التغيير المنشود في النظام السياسي ودستوره الذي أصبح لا يتأقلم مع الواقع الراهن ، وحده الشعب اللبناني الناضج بوعيه وإرادته ان يواجه كل التحديات والتغلب عليهاوغير ذلك التغيير مستحيل لان إذا الشعب أراد فإنه سيحقق وهذا يشهد عليه التاريخ ، كل الأنظمة الفاشية والديكتاتورية سقطة بارادة الشعب لا فاقد الشيء لا يعطيه وهذا حال هذه السلطة الخبيثة المجرمة.
خاتمة
أزمة النظام السياسي اللبناني الحالية هي نتيجة تراكمات طويلة من الفشل والفساد والسرقة . لقد أصبح من الواضح أن هذا النظام لم يعد قادرًا على الاستمرار، وأنه يجب إعادة بناء الدولة على أسس جديدة تضمن العدالة والمساواة لجميع المواطنين. الطريق إلى التغيير لن يكون سهلًا، ولكنه الطريق الوحيد لإنقاذ لبنان من الانهيار وضمان مستقبل أفضل لأبنائه. الشعب اللبناني لديه القدرة على تحقيق هذا التغيير إذا ما توفرت الإرادة الجماعية لتحقيقه.
Visited 51 times, 1 visit(s) today