السودان الجريح (7): دار فور.. دار بؤس وفقر ودماء

السودان الجريح (7): دار فور.. دار بؤس وفقر ودماء

 جورج ألراسي

         مأساة دارفور السودان المستمرة منذ عشرات السنوات هي مأساة الفقر والعوز والجوع في بلد قادر على إطعام شعوب برمتها، حتى لقبوه في زمن غير بعيد بأنه “سلة غذاء العرب.

 هذه  الولاية غرب السودان تمتد على 510.000 كلم مربع أي أن مساحتها تفوق مساحة اسبانيا، وتكاد توازي مساحة فرنسا. سكانها بحدود ستة ملايين نسمة يعتاشون من الزراعة  ومن تربية الماشية، رغم أن المنطقة تحتوي على ثروات منجمية هائلة.

 رحل.. ومزارعون

    الخلاف  حول مصادر المياه وعلى الأراضي الخصبة كان دائما محرك الصراعات التي لم تتوقف إلا نادرا في تلك  البلاد الموحشة.. طرفا النزاع  هم دائما  العرب الرحل وقبائل الفور  المقيمة فوق أراضيها، والتي اشتهرت بزراعة “السورغو “- sorgho – على سفوح جبل “مارا”، إضافة إلى الحمضيات والخضراوات، ومراعي الماشية

لقد أجج الصراع تغيير نظام ملكية الأراضي. فقانون 1970 الذي وضع في عهد  جعفر نميري أعاد في حينه ملكية كل الأراضي إلى الحكومة المركزية. ثم أعقبه في عام 1974،

 قانون الإمارات” الذي تم بموجبه إعطاء القبائل العربية  إمارات” في غرب دارفور

الجميع مسلمون – بعكس ما هو الحال في جنوب السودان – ولو أن الفور أكثر ميلا إلى “الزنوجية”، ولهم لهجاتهم الخاصة بهم ..

الحرب السابقة بين الطرفين تعود إلى العام  1988، حين اجتاح راكبوا الجمال خيامهم، وسرقوا مخازنهم، وقتلوا رجالهم

أما السلطات في الخرطوم الواقعة على مسافة 1200 كيلومتر فلم تر في الأمر آنذاك إلا  “خلافا على المراعي” بين المزارعين الفور والقبائل العربية التي اعتادت أن تقوم برحلاتها الموسمية في مواسم الجفاف – transhumances – وغالبا ما تحدث الاشتباكات  بسبب حوادث فردية هنا وهناك، ثم تنتهي  بإحراق عدد من قرى الفور وسرقة أو إتلاف محاصيلهم… وبهروب الآلاف منهم، خوفا من “الحملات التأديبية التي يشنها راكبو الجمال

وبعد اشتباك قبائل الفور مع القبائل العربية، اشتبك العرب مع قبيلة المساليت بعد ذلك بنحو عشر سنوات، واستمرت الاشتباكات بين الطرفين حتى العام 2001 حين تم التوقيع على اتفاقية سلام..

وغالبا ما يكون للدول المجاورة حصة في هذه الأحداث، وعلى وجه الخصوص تشاد وليبيا.

فخلال موجة الجفاف عامي  1984 – 1985 لجأ نحو 120.000 تشادي إلى دارفور هربا من المجاعة ومن بطش نظام حسين حبري الدكتاتوري… وفضل الكثيرون البقاء هناك وعدم العودة

وبعد سقوط حكم المارشال جعفر نميري في الخرطوم عام 1985 دخلت قوات ليبية مدرعة المنطقة، نظرا لحجم التبادل بين بلدة الكفرة الليبية على الحدود، وضاحية “ملليت” التي لا تبعد أكثر من 30 كيلومترا شمال مدينة الفاشر عاصمة الولاية..

  وسعى الليبيون إلى إقامة بعض المشاريع في بلدة “الجنينة” الحدودية مع تشاد. لكن حاكم دارفور الذي ينتمي إلى حزب الأمة بزعامة رئيس الوزراء آنذاك، صادق المهدي، رفض ذلك

ومن المعروف أن طائفة الأنصار لها الأغلبية في تلك الولاية، في حين سعت الحركة الإسلامية بزعامة حسن الترابي لتعريب عدد من القبائل الإفريفية

صراع قبائل

 ثلاث قبائل رئيسية تتوزع إقليم دارفور: الفور، أكبرهم، ثم المساليت والزغاوة.

تعود بدايات الحرب الحالية إلى أكثر من عشرين عاما، وعلى وجه التحديد إلى شهر  شباط/ فبراير من عام 2003، بين القبائل العربية وقبائل الفور والزغاوة المنحدرة من قبائل  افريقية.

لقد اندلعت شرارة القتال حينها بعدما أقدم متمردون على احتلال مدينة غولو  Gulu مركز  ولاية شمال دارفور. وقد طالبت جماعتان من الثوار في شهر آذار/ مارس التالي، بتوزيع عادل للسلطات والثروات  في شهر  أبريل/ نيسان من عام 2004، وقعت الخرطوم مع اثنتين من حركات التمرد اتفاقا لوقف إطلاق النار، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ..

في آب/ أغسطس من العام ذاته وصلت طلائع قوات الاتحاد الإفريفي للفصل بين المتحاربين.

في مطلع العام التالي 2005 أدان تقرير صادر عن الأمم المتحدة، الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية .

وفي حزيران/ يونيو من العام ذاته أعلنت المحكمة الجنائية الدولية عن فتح التحقيق  المتعلق  بـ”جرائم دارفور.

في شهر آب/ أغسطس من عام 2006 أقرت الأمم المتحدة نشر 20.000 جندي للحلول محل  قوات الاتحاد الإفريقي، لكن الرئيس عمر حسن البشير رفض رفضا قاطعا تواجد قوات أممية فوق أرض السودان، وهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور

بعد ثلاثة أشهر، في نوفمبر 2006، قرر الاتحاد الافريقي تمديد تواجد قواته حنى شهر أيار/ مايو 2007. وظلت الخرطوم على رفضها تواجد القبعات الزرق ولو أنها قبلت “دعما لوجستيا” من طرف الأمم المتحدة للقوات الإفريقية

في شهر حزيران/ يونيو من عام 2007 بدأ تحرك دولي بمبادرة من الرئيس الفرنسي  نيقولا ساركوزي لعقد مؤتمر دولي في باريس أواخر ذلك الشهر لمعالجة أزمة دارفور .

وقد تمخضت تلك الحروب عن نحو 300.000 قتيل، وعدد من المهجرين والنازحين فاق  مليونين ونصف المليون، أي نحو نصف سكان الولاية، بخاصة خلال عامي 2003 و 2004 .

  من هم “الجنجويد”؟

    لقد دمرت القوات الحكومية وميليشيات الجنجويد نحو 2700  قرية في إقليم دارفور .وأصبح اسم “الجنجويد” ملازما لمآسي دارفور  .

الواقع أن ظهورهم يرجع إلى عوامل عديدة  تعود إلى تبدل موازين القوى في البلاد بخاصة بفعل حرب الجنوب. فبعد وصول الإسلاميين إلى السلطة مع عمر حسن البشير، أسهمت ثلاثة عناصر في تقويض قدرات جيش الحزب الحاكم..

 العنصر الأول كان إقصاء نحو الف ضابط من أصحاب الكفاءات العالية، من الذين تلفوا تدريبهم في الغرب، من الجيش، وحملهم على التقاعد المبكر في عامي 2005 و2006، إذ خشي “جزب المؤتمر الشعبي” أن ينظم هؤلاء الضباط الأكفاء انقلابا عسكريا عليه.

العنصر الثاني كان رفض عشرات الآلاف من السودانين المتحدرين من دارفور القتال في الجيش ضد أبناء منطقتهم، مما اضطر الخرطوم  للاستعاضة عنهم  بمقاتلين من الجنجويد

الذين تنقصهم الخبرات القتالية على رغم شراستهم..

العنصر الثالث هو تدني معنويات الجيش السوداني إثر هزيمته في عدد من المعارك في دارفور. ففي آب/ أغسطس 2006 خالف البشير رأي القادة العسكريين ، وأمر بشن هجوم  عسكري كبير على متمردي دارفور وتوقع القضاء على منظماتهم، فكانت النتيجة أن مني الجيش بخسارة كبيرة

فمن هم الجنجويد؟

كل من ركب الجواد وحمل السيف أسميناه كذلك. ونحن نختصر الاسم  بـ “جيجي”. وقيل إن الاسم جاء من جواد وجن،  وهذا غير صحيح“.

هكذا يعرف ابراهيم عثمان عبد الفادر  “الجنجويد”، الذي يقول ‘نه هو الذي “أسسهم.

ويضيف إنه ليس لحكومة الإنقاذ أي علاقة بهم، فهي لم يسبق أن عرفت  بوجودهم منذ تم تأسيسهم في دارفور في العام 1988. وقد جاء ذلك نتيجة الصراع مع قبائل الفور، الذي امتد منذ العام  1938  وحتى 1988. آنذاك كان كل حكام دارفور من قبيلة الفور. وحكومة الإنقاذ – تحالف البشير/ الترابيلم تكن موجودة أصلا على الساحة السودانية

إلى المحكمة الجنائية.. در

    الرئيس البشير الذي يقبع اليوم في سجن عسكري في الخرطوم ، كان يرى أن مشكلة دارفور هي “مشكلة  بيئية “. وكان تقرير للأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بان كي مون، قد أكد أن الجفاف الذي ضرب إقليم دارفور في السبعينيات تسبب في حركة انتقال بشري أدت إلى احتكاكات وصراعات بين الرعاة والمزارعين “مما أدى إلى صراعات قبلية.. ونفى البشير حينها “الدعاوى التي يروج لها البعض بأن مشكلة دارفور ناتجة عن التطهير العرقي

على كل حال، لم يكن هذا رأي  مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو،  الذي اتهم الرئيس السوداني المخلوع  بارتكاب “أعمال إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” في دارفور، وذلك منذ مطلع العام 2009

والطريف أن أطرافا سودانية عديدة كانت متحالفة مع البشير لمدة طويلة طالبت هي الأخرى بتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسهم الدكتور حسن الترابي، والوزيرة مريم صادق المهدي! وقد دخل رد البشير على هذا الطلب في أدبيات السياسة الدولية: “المحكمة الجنائية.. تحت جزمتي”… مما اأهم الكثير من السياسيين الطارئين الذين أصبحوا يستعينون  بـ”الصباطفي حياتهم السياسية

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

جورج الراسي

صحفي وكاتب لبناني