روسيا والتغييرات في جهاز الأمن الأوكراني..؟

د. خالد العزي

عمل رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي على تعديل قيادة الخدمات الخاصة، فغير في البداية رؤساء جهاز الأمن ومكتب المدعي العام، وفي الأيام الأخيرة عين كيريل بودانوف رئيس لجنة الاستخبارات التابعة لرئيس أوكرانيا، والذي يرأس أيضًا المديرية الرئيسية للاستخبارات بوزارة الدفاع في الجمهورية.

روسيا تعتبره شخص متورط في قضية جنائية رفعتها لجنة التحقيق الروسية بشأن “تهديداته بشن هجمات إرهابية في الاتحاد الروسي وفي مناطق لا تسيطر عليها أوكرانيا تقريبا. ويشير الخبراء الروس إلى أن التعيينات الأخيرة قد تشير إلى نية كييف في تكثيف الأنشطة التخريبية والتخريبية.

والدليل على استمرار “ثورة الأفراد” في قيادة قوات الأمن الأوكرانية كان رسالة بالفيديو من الرئيس زيلينسكي نشرها على قناته على Telegram بتاريخ 25  تموز- يوليو الحالي  “لقد بات  عمل الجيش الاوكراني التحول الى ممارسة حرب العصابات ضد المحتل الروسي”.

اتخذ زيلنيسكي قرارات مهمة، بتعين  بودانوف، وتعيين الجنرال المقال فيكتور خورنكو قائدا جديدا لقوات العمليات الخاصة التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية.

وتم نقل الجنرال غريغوري جالاغان إلى منصب النائب الأول لمركز العمليات الخاصة “أ” التابع لوحدة أمن الدولة.

جاء إصدار المرسوم بعد ساعات قليلة من إعلان المخابرات الروسية قمع عملية اختطاف طائرات مقاتلة تابعة لقوات الفضاء الروسية. وفقا لوزارة الدفاع الروسية، فإن ضباط المخابرات العسكرية الأوكرانية، “نيابة عن القيادة السياسية لبلدهم، حاولوا تجنيد طيارين عسكريين روس مقابل مكافأة مالية وضمانات للحصول على جنسية إحدى دول الاتحاد الأوروبي وإقناعهم بالطيران والهبوط في المطارات التي تسيطر عليها القوات المسلحة لأوكرانيا”. وقد أشاد المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف يوم الثلاثاء بعمل المخابرات الروسية المضادة ووصفها بأنها “فعالة جدا جدا”.

توصلت روسيا إلى استنتاجات فيما يتعلق بهذه “الفضيحة” المتعلقة بالتغييرات في كييف، حيث بدأ فولوديمير زيلينسكي في نشر “قرارات شخصية مهمة” باسم كيريل بودانوف، رئيس مديرية المخابرات الرئيسية.

واسم بودانوف بدأ يلمع في السلم الوظيفي بعد صعود المميز كخريج أكاديمية أوديسا العسكرية، وبدأ بخدمته الاولى في القوات الخاصة بمديرية المخابرات الرئيسية، ومنذ عام 2014 يقاتل في دونباس، حيث أصيب عدة مرات وحصل على أوسمة حكومية في العامين الماضيين.

وبعد أن عمل كنائب لمدير دائرة المخابرات الخارجية، واستبدل رئيسه آنذاك فاسيلي بوربا كرئيس لمديرية المخابرات الرئيسية في الشهر الثامن من العام  2020، كان كيريل بودانوف في ذلك الوقت برتبة عقيد، وبالفعل في الشهر  الثامن  من العام الماضي، في يوم الذكرى الثلاثين لاستقلال أوكرانيا، حصل على رتبة عميد، وفي الشهر الرابع  من هذا العام، أي بعد شهر ونصف من بدء العملية الروسية في أوكرانيا، حصل على رتبة لواء.

قبل عام من توليه رئاسة المخابرات، في الشهر الرابع من عام  2019 ، جرت محاولة اغتيال فاشلة ضد كيريل بودانوف في كييف. ونتيجة لذلك، حُكم على مواطنين روسيين بالسجن سبع وثماني سنوات.

هكذا، فإن كيريل بودانوف، الجندي المحترف الذي شارك في الأعمال العسكرية وتمكن من العمل في الخدمات الخاصة، يختلف اختلافا جوهريا عن ممثلي الدائرة الداخلية لزيلينسكي، الذين جاء الكثير منهم إلى مناصب عليا (بما في ذلك جهاز المخابرات) من الأعمال الاستعراضية أو الخدمة المدنية.

وبفضل التصريحات رفيعة المستوى التي تم الإدلاء بها في المقابلات مع وسائل الإعلام العالمية، ربما أصبح كيريل بودانوف مؤخرا المسؤول الأمني ​​الأوكراني الأكثر شهرة في الغرب.

ردا على سؤال من صحفي من صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية حول أشكال النضال ضد روسيا، تحدث رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية عن حرب العصابات في الأراضي الأوكرانية الخاضعة لسيطرة الجيش الروسي، على وجه الخصوص، مشيرا إلى تفجير سيارات لممثلي الإدارة في منطقة خيرسون.

وقال إن الهجمات “نفذت وتنفذ وستنفذ في روسيا وفي أماكن أخرى كثيرة”.

بعد وقت قصير من هذه المقابلة، فتحت لجنة التحقيق التابعة للاتحاد الروسي قضية جنائية ضد بودانوف على أساس ارتكابه جريمة بموجب الجزء الاول من البند 205 من القانون الجنائي للاتحاد الروسي (التهديد بارتكاب عمل إرهابي).

استبدل زيلينسكي رؤساء الأجهزة الأمنية في خمسة مجالات رئيسية، واستمر في تطهير قوات الأمن، وهذا يدل على التشدد في متابعة التصدي لروسيا وعدم اراحتها في التمركز في المناطق التي احتلتها.

وفقا لمدير المركز الروسي لتحليل الاستراتيجيات والتقنيات رسلان بوخوف، فإن تعيين كيريل بودانوف في منصب كبير منسقي أجهزة المخابرات الأوكرانية قد يشير إلى نية كييف في تكثيف الأعمال التخريبية والتخريبية في مؤخرة القوات الروسية، وليس فقط في الأراضي الخارجة عن السيطرة، ولكن أيضا في الاتحاد الروسي نفسه. ونظرا لأن القوات المسلحة الأوكرانية تفقد فعاليتها القتالية وتراجعها، سيتم التركيز بشكل متزايد في كييف على العمليات السرية، والتي تظل من اختصاص مديرية المخابرات الرئيسية.

“بادئ ذي بدء، هذا تخريب، حرب عصابات، نشاط إرهابي من أجل إحداث أكبر قدر من الضرر لروسيا”، يقول  بوكوف، مؤلف كتاب الاستخبارات العسكرية، أحد أقسامه مخصص للمخابرات، حيث وجد النزاع المسلح في أوكرانيا سابقا، وقد وضع الاستخبارات العسكرية للبلاد اليوم في حالة تأهب متدني للغاية للقتال.

من جهة أخرى، تتخوف الأجهزة الأمنية الروسية والاعلام الروسي من التغيير الحاصل لدى أوكرانيا وإعفاء مسؤولين وتعين اخرين، مما يؤشر الى أن أوكرانيا تحاول محاسبة المخفقين والمخطئي ، وبالتالي تعمل على تشديد المؤسسات من خلال ايصال أشخاص لديهم الخبرات ولديهم القدرات وهذا التوجه يهدد الأمن الروسي، خاصة بعد تعين اللواء كيريل بودانوف على رأس الجهاز الأمني الذي شكل لروسيا تهديدا مباشرا، نتيجة دوره وقدراته في ادارة هذا الجهاز ونقلها لازعاج وارباك روسيا.

لقد  تغير الوضع بشكل كبير بعد أن أصبحت روسيا العدو الأول. في 2015-2016، تم اتخاذ قرارات نصت على تحولات جذرية في مجال الدفاع والأمن في أوكرانيا، بما في ذلك المخابرات العسكرية. تمثلت خطوة رمزية مهمة في الموافقة في عام 2016 على الشعار الجديد بومة تخترق أراضي روسيا بسيف، مع الشعار على الدرع: Sapiens dominabitur astris (“الحكيم سيحكم على النجوم”) ويشير شعار المخابرات إلى علامة غير رسمية للمخابرات العسكرية الروسية، خفاش وشعارها: “النجوم فقط هي أعلى منا”. إنه يذكرنا بما يجب على البومة الأوكرانية “الحكيمة والشجاعة” أن تحاربه”. 

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني