الافتصاد الأوكراني ينزف .. وروسيا المعاقبة تبشر بكارثة

الافتصاد الأوكراني ينزف .. وروسيا المعاقبة تبشر بكارثة

د. خالد العزي 

يتدهور الوضع الاقتصادي الأوكراني بسرعة، ويستنزف الموارد لا سيما وأن تطورات الاوضاع العسكرية تدفع به الى إيلاء الأولوية لهذا القطاع، ومع تزايد أعداد المؤسسات العاطلة عن الانتاج تدريجيا، والتي لن تستطيع تعمل بدون دعم خارجي من الغرب.

بتاريخ 26 تموز الماضي، أعلنت شركة “نفتوغاز”  الأوكرانية عن تعثر تقني حدث بسبب انتهاء فترة السداد لحاملي السندات الدولية. ووفقًا لما أوردته النسخة صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في 27 تموز الماضي، فإن “التخلف عن سداد شركة الطاقة الحكومية الأوكرانية نفتوغاز سيكون مصيرها الاقفال”. فعدم الوفاء بإلتزامات أحد أكبر دافعي الضرائب في أوكرانيا سيزيد المخاوف بشأن حالة المالية العامة في جميع أنحاء الدولة ، فضلا عن تعقد أنشطة منظمة تلعب دورا رئيسيًا في الاقتصاد الوطني.

 يقول مدير الاستثمار في شركة Abrdn البريطانية للإدارة، فيكتور زابو، إنه على الرغم من دعم أوكرانيا، إن هذه الدولة “تحرق مواردها بسرعة كبيرة، لأن إحتياجاتها في المجالين الاجتماعي والعسكري تنمو بسرعة. على الرغم من الدعم الخارجي وببساطة فإنه ليس لديها الوقت لتغطية عجز الميزانية. وإذا استمر هذا الوضع فقد يتحول بحلول الخريف إلى كارثة على كييف”.

وفقا لخبراء أجبرت سلطات كييف على الاتفاق معهم بحسب المعلومات الروسية، فإن أوكرانيا تعتمد ماليا بشكل كبير على “الرعاة” الغربيين، حيث لا يوجد لديها شيء آخر تعتمد عليه ولا أحد آخر. ويبدو أن عجز الموازنة الأوكرانية، الذي بدا مخيفا في نهاية الشهر السابع الحالي من هذه السنة، والذي تراوح بين 5 إلى 9 مليارات دولار، قد يصل إلى 50 مليار دولار بنهاية العام، ويُتوقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لتقديرات الأكثر تحفظا، على مستوى 30-50%. كما أن الوضع في أوكرانيا معقد بسبب حقيقة أنه كما يعتقد الغرب بحق سيضطر الشركاء الأوروبيين  والأطلسيين إلى التركيز على حل مشكلاتهم المالية الداخلية، وسيؤثر هذا بلا شك على مقدار المساعدات المقدمة إلى كييف”.

ويبدو  إنه من غير المحتمل أن تكون الحكومة الأوكرانية قادرة على جمع الأموال من خلال القروض الداخلية، في الوضع الحالي، حيث يتم توجيه جميع المساعدات المالية الغربية بشكل أساسي للاحتياجات العسكرية، قد تتضاءل الروح الوطنية للمواطنين الأوكرانيين في غياب العمل والمال والطعام.

لفت خبراء غربيون الانتباه إلى بعض التغييرات في المجتمع الأوكراني فيما يتعلق بالعملية الخاصة. وفقا للاستخبارات العسكرية البولندية، إذ أصبح دافع الجيش أقل بكثير مما كان عليه في المرحلة الأولى من العملية. المجندون الذين يقومون بتجديد الوحدات، الذين تم تجنيدهم بالقوة في الجيش، ليسوا مستعدين ولا يريدون القتال، ويختبئ أشخاص في سن التجنيد من ممثلي مكاتب التسجيل والتجنيد العسكرية، سعياً منهم لمغادرة البلاد”.

وبحسبهم “هناك انقسام بين سكان الجزء الغربي من أوكرانيا والأراضي الأخرى. سكان المناطق الغربية أكثر استعدادا للنظر في بلدان أوروبا الشرقية التي تربطهم بها روابط تاريخية والتي سافروا إليها تقليديا لكسب المال منذ بداية الاستقلال (بولندا والمجر ورومانيا)، أكثر من دونباس، التي تعتبر بعيدة جدا وغريبة عليهم. ولا يستبعد تأثير هذا العامل على تطور الوضع العسكري والسياسي في أوكرانيا حيث تحل روسيا مهام  الاتحاد الاوروبي. ووفقا للغرب، ربما أصبح تطور الوضع العسكري السياسي في أوكرانيا أكثر واقعية من ذي قبل”.

ويستنتج هؤلاء أن كييف لن تتمكن من هزيمة روسيا في الظروف الحالية.  حيث تعتمد أوكرانيا بشكل كامل على الإمدادات الغربية من الأسلحة والذخيرة، ومع انهيار اقتصاد البلاد وعدم القدرة على تزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالمعدات العسكرية، مما يؤثر على قدرة القوات المسلحة الأوكرانية والقيام بعمليات عسكرية طالما احتاجها الغرب، أو بالأحرى الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى.

إن تطور الوضع في هذه البلدان على خلفية المشكلات الاقتصادية الحالية سيكون له تأثير كبير على درجة ومدة الدعم لأوكرانيا من شركائها الأوروبيين الأطلسيين. وعلى الأرجح، قد تبدو الحياة غير صالحة للعيش في  كييف إذا لم يحدث التغيير في الخريف المقبل ومن الممكن أن يبدأ التعب من حالة عدم اليقين التي طال أمدها في الظهور، وليس فقط في الغرب، ولكن أيضا في أوكرانيا.

وفقا لمحللين سياسيين عقلاء في أوروبا والولايات المتحدة، فإن الحل الصحيح الوحيد لإنهاء الصراع في أوكرانيا هو بالحوار السليم بين الأطراف المتحاربة، بمشاركة الغرب.

القراءة الاقتصادية لكييف قد تكون محقة مئة بالمئة اذا حاول الروس قراءتها من باب  التوازن والاعتدال، وليس من من جانب واحد وإنما بقراءة مستقلة  فيمكن ان نلاحظ المعلومات المطروحة ونأخذ بها.

فالروس يتوقفون أمام الأوضاع الاقتصادية الصعبة لأوكرانيا، ولاقتصادها النازف، وحالة جيشها ومعداتها المعطلة، لكنهم يظهرون كل المعلومات والاشارات التي تشير بدورها الى حالة الاقتصاد الروسي الواقع تحت العقوبات الدولية والتي أدت الى شلل الدولة الروسية وانعكست على مواطنيها وجيشها الذي تحول الى ممارسة العنف والتعفيش في هذه الحرب.

لذا تبقى القراءة المطروحة من قبل المحللين الروسي لا يؤخذ بها مرجع  محايد، بل دوما يحاول الخبراء الروس ان يظهروا روسيا لا تعاني من أي شي وأوروبا تقرب من الانهيار. والمشكلة أنه في الوقت الحالي الفرص قليلة جدا لإجراء حوار بناء بين موسكو وواشنطن وبروكسل، مع الأخذ في الاعتبار التصريحات التي أدلى بها الغرب في وقت سابق والخطوات العملية غير الودية المتخذة. أما بالنسبة لبدء حوار روسي ـــ أوكراني مباشر فالأمور أسوأ هنا، نظرا للسبب الذي جعل روسيا تبدأ بإنشاء منظمة البحث العلمي في أوكرانيا، فمن مصلحة كل من الغرب وروسيا البدء البحث عن حل وسط في أقرب وقت ممكن من أجل تجنب عواقب أكثر خطورة لا يمكن التنبؤ بها.

 

 

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني