لماذا فشل بوتين في إقناع الغرب من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا؟ (2-2)

لماذا فشل بوتين في إقناع الغرب من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا؟ (2-2)

خالد العزي

     على الرغم من  محاولة الاتحاد الأوروبي والغرب الرد الفاعل على تصرفات بوتين، من خلال الدعم المطلق والوقوف إلى جانب أوكرانيا ماليًا ولوجستيًا، وحتى كانت مواقف الدول الكبرى  الوصول بالدعم إلى إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا لدعمها، وفي المقابل حث الولايات المتحدة على دعم  أوكرانيا بالمال والعتاد من أجل إيقاف همجية بوتين وتصرفاته غير المتزنة في الحرب ضد أوكرانيا، والتي بات الغرب يشعر من الخوف الفعلي الذي قد يشكله بوتين  ضد أي دولة أوروبية، فإننا نرى في المقابل الرد الأوكراني والإصرار الفعلي على التصدي لبوتين وجيشه للدفاع عن أوكرانيا وأراضيها التي تعتبر دفاعا عن  أوروبا وقيمها ومبادئها.

الرد الأوكراني على روسيا

      أوكرانيا لا تزال متشددة في مواقفها ولا تريد فتح الحوار مع روسيا، لأن شروط الحوار غير مكتملة والدعوات روسية غير جدية. ولا يمكن الاعتماد على الدعاية الروسية بأن أوكرانيا انهارت، لكن يبدو أن العكس صحيح. لأن في المؤتمر السنوي الذي يعقده الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، نجد أن موقف أوكرانيا لا يزال ثابتاً وهي مستمرة في الحرب. ولا يستطيع أحد أن يفرض عليها ضغوطات. ولذلك تتجه إلى تجميع نحو نصف مليون متطوع لمواجهة روسيا، عملاً بنصيحة رئيس الجيوش السابقة في أوروبا، بأن عليها تجميع روافد جديدة من أجل الصمود. لأن مشكلتها باتت في الخسائر وافتقادها للمتطوعين. من هنا تقول بأن الغرب ما زال يقف معها، لأن المعركة ليست موجهة ضد أوكرانيا، بل الغرب الذي بدوره لن يفتح باب البازار والبيع والشراء على حساب زيلينسكي. لأنه لن يثق ببوتين الذي يحاول تسويق أفكار هدفها تجميد الجبهة وإيهامهم بأن المعركة انتهت للانقضاض على الغرب لاحقاً. لذلك أخذ الغرب على عاتقه تمويل أوكرانيا مالياً وعسكرياً”.

   لذلك يعمل الكرملين على خوض حرب  نفسية ضد أوكرانيا من جهة وحرب دعائية دبلوماسية  ضد الغرب لتضليل  الساسة الغربيين. لتحويل الانتباه إلى مفاوضات وهمية لصرف انتباههم عن حاجة أوكرانيا إلى الأسلحة المضادة، لإفشال أي هجوم قادم. وبالتالي سوف يستخدم كل القنوات السرية لإفشال المناقشات  في الدول الأوروبية حول تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

   وفي المقابل، وفي تصريح  القائد السابق للقوات الأميركية بين  هودجز على إحدى  المحطات الأمريكية يقول لقد شعرت بخيبة أمل  بسبب عدم نجاح الهجوم الأوكراني المضاد، حيث يعود السبب إلى تقصير الغرب في تقدم المساعدات المطلوبة سريعا مما ساهم في إفشال الهجوم.

تشدد أوكرانيا في مواصلة الحرب

   من هنا نرى موقف جوزيب بوريل، ممثل الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، يشدد بأن بوتين  سيقاتل حتى النصر في أوكرانيا. وهو يحاول شق موقف الدول الغربية، بطرح مبادرات سلام، لأنه لايزال مستمرا لجذب مقاتلين للحرب على الجبهات، والصواريخ تتساقط على المدن الأوكرانية. فإذا لم نغيير مسارنا  في الاتحاد الأوروبي ونتعامل مع أوكرانيا بجدية ووضوح، والعمل على حشد كل القدرات لمساعدة كييف، فإن بوتين سيُسمح له بالانتصار على أوكرانيا ويدق أبوابنا لاحقا.

   لذلك فإن رحيل الإدارة الأميركية الحالية ستُشعر بوتين بالحرية وسوف تساعده بحال شعوره بالتراجع عن حماية أوكرانيا على توجيه ضربات موجعة ضد أوروبا، وتحديدًا أثناء فترة التسلم والتسليم. في اللحظة التي تكون فيها الإدارة الأميركية بدون رئيس، وبغياب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي يعطي الأوامر، ولن تتمكن من مساعدة الدول الأوروبية بهذه اللحظات الحرة  التي تعطي لبوتن نشوة في النصر الانتقامي.

المقاربة الحادة بين الخطابين

   وفي مقارنة بين خطابي الرئيسين، إنهما يشددان على استمرارية الحرب في المواجهة، لكن الرئيس الأوكراني كان واضحًا وصريحًا ووضع نقطة نهائية في عملية الانتخابات، التي كانت ستحدث في عام 2024، وقال زيلينسكي إن كل الانتخابات مؤجلة، لأن أوكرانيا في حالة طوارئ وحرب، وهذا لا يسمح لا ماليا ولا أمنيا بإجرائها، بل ما يُسمَح بها هو إعادة فتح باب التعبئة الأوكرانية وضم العديد من المتطوعين إلى سلاح الجيش الأوكراني. حيث بدأت الماكينة العسكرية تنشط من أجل تعبئة نصف مليون عسكري في صفوفها. وكأنها تستعد لجولة جديدة من الحرب. حيث رفض الرئيس الأوكراني في خطابه التفاوض مع روسيا. على الرغم من الصعوبات التي يواجهها الجيش الأوكراني على الجبهات، وبلاده لاتزال تحقق  انتصارات عالية على روسيا. وأهمها  أنها صمدت بوجه ثاني جيش في العالم لمدة عامين ولاتزال تمنعه من تحقيق أهدافه. لكن زيلنسكي شدد بأن أوكرانيا لن تتنازل عن حدودها ولن تميل للضغوط الغربية من أجل التنازل عن حدودها. حتى لو بقيت وحيدة في المواجهة. وشدد على أن: “أميركا  والغرب لن يتركوننا وحدنا في مواجهة مصيرنا. وسوف يقوم الاتحاد الأوروبي، تلبية مطالبنا العسكرية قريبا بتزويدنا بالمال وأنظمة دفاع جوي وإرسال دفعة أولى من طائرات اف 16″، وهذا مما يعني تغيير المعادلة على الأرض.

   بينما بوتين كان يقدم نوعًا من الالتفاف على مشروعه، الذي غلفه بأنه أولوية إيقاف الحرب من أجل التمهيد لانتخابات رئاسية، وإعادة التموضع العسكري والتجهيز لتعبئة جديدة من أجل دفعها نحو المعركة”. مشيراً إلى أن “ازمة أوكرانيا أصبحت بوجود الرئيسين الروسي والأوكراني أزمة شخصية. ولا يمكن الابتعاد عن أي توجه لأي دول دون الموافقة على تغيير الأنظمة الموجودة. ووضع خطة فعلية لإنجاح أي تغيير على الأرض. خاصة وأن بوتين في دخوله إلى أوكرانيا كان يردد المقولة الروسية التاريخية بأن “من يحتل أوكرانيا يحتل قلب أوروبا”. ومن هنا يستطيع الالتفاف على أوروبا والتفاوض مع واشنطن. ومنذ يومين قال بوتين في تصريح إن “الولايات المتحدة أغرقتنا في حرب أوكرانيا”، وهذا صحيح لأن الإدارة السابقة أعطت إشارات بان الاتحاد الأوروبي في مرحلة الموت السريري، ومضطر أن يدافع عن نفسه. فتلقف بوتين الخبر وحاول أن يعزل الاتحاد الأوروبي وتخطيه عبر تهديده باحتلال أوكرانيا، والتوجه للتفاوض مع الولايات المتحدة بطريقة ندية. لكن تبيّن أن روسيا دولة مارقة، لكن العنجهية جعلتها تغرق في الأوهام والفساد. وظنت أنها تستطيع مواجهة الولايات المتحدة، وأن تفاوضها نديًا ويعزلها عن أوروبا، وظن بوتين أن باستطاعته تهديد العالم بالسلة الغذائية وإمدادات النفط  ويرضخ له الجميع لكن مخططه فشل.

الحرب  بعد سنتين

   لكن في تقييم  سريع  للحرب بعد سنتين، لابد من القول بأنها مستمرة بين الدولتين بشكل طحن لأن كل طرف يريد  تحقيق أجندته وتسجيل خسارة على الآخر. في الحرب المستعرة والدعم الغربي مستمر. بغض النظر عن الدعاية الروسية التي يأمل الكرملين من خلالها  الوصول إلى حل يقضي بوقف إطلاق النار. لأن وقف إطلاق النار سيحقق لبوتين انتصارا آنيا في حملته الانتخابية، التي بدأ خوض غمارها حتى منتصف آذار/مارس الجاري.

   ويأمل بوتين بفتح ثغرة في الجدار الغربي لإيقاف الحرب وبدء الحوار لإيجاد حل يناسبه في أوكرانيا، لأنه يأمل بإيقاف الحرب نظرًا للاستعداد للانتخابات التي يخوضها. وبانتظار نتائج الانتخابات الأميركية التي يأمل من خلالها تغيير  الإدارة الأميركية الحالية ووصول الرئيس السابق دونالد ترامب للبيت الابيض.

   وهنا نرى بعد دخول الحرب عامها الثالث نرى بأن  المواجهة لا تزال مستمرة بين الدولتين، بالرغم أن الحرب مستمرة بممارسة سياسة التقشف مع أوكرانيا، ولاتزال الولايات المتحدة غير قادرة على حسم موقفها لجهة تأمين الدعم الكامل لأوكرانيا، فإننا نرى بأن الروس لم يستطيعوا من تطوير هجماتهم ضد أوكرانيا، ولم يحققوا أي إنجاز يذكر في تغيير المعادلة على الأرض أو الضغط على الغرب، بل  يعد الأوكران بمزيد من الصمود والدفاع، فهل بات على أوكرانيا  انتظار انتهاء نتائج الانتخابات الروسية، التي مددها بوتين لمدة ثلاثة أيام، لكي يحصل بعدها على تفويض كامل في ممارسة مغامرته الجهنمية في الحرب على أوكرانيا، بطريقة جديدة تتخللها الهمجية والعنف من أجل تحقيق الإنجازات التي يفتتح بها ولايته الجديدة.

   الغرب لا يثق ببوتين، ولذلك فإن المعادلة التي تصح اليوم هي: لا لهزيمة أوكرانيا، كما لا لهزيمة روسيا. لأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والغرب غير جاهزين لعملية استيعاب الهزيمة الأوكرانية، التي ستؤثر على الغرب. وسيؤدي إلى طرق زيلينسكي أبواب كل العواصم، وفي الوقت نفسه هزيمة روسيا يمكن ربطها بتاريخ الاتحاد السوفياتي عندما انهار،  وكيف انعكس سلبياً على أوروبا. لكن الأيام ستثبت أن أوكرانيا ستنضم قريباً إلى الاتحاد الأوروبي، ما يعطيها مظلة شرعية وتصبح في حماية الناتو، وهذا وحده كفيل بكبح جموح روسيا المتطرف”.

Visited 21 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني