الحروب الروسية السويدية (1-3)

الحروب الروسية السويدية (1-3)

د. زياد منصور

يطرح  الوضع الدائر في أوكرانيا سلسلة من الهواجس التاريخية، التي تحاول عزل هذا الصراع عن الصراعات الأخرى التي خاضتها روسيا مع الدول المحيطة، وإذا كانت روسيا الصغرى، الاسم التاريخي المتعارف عليه في الأدبيات التاريخية الروسية لأوكرانيا، وليس أوكراينا ” المصطلح الشائع اليوم، والذي تعود جذوره إلى اللغة البولندية، ضمن هذه الصراعات الوجودية بالنسبة للإمبراطورية الروسية، ثم الاتحاد السوفييتي وريثها، وروسيا المعاصرة وريثة الاتحاد السوفييتي السابق، رغم الثقافة المشتركة والعلاقات الحضارية الواحدة والدين الواحد وما إلى ذلك، فإن روسيا هذه خاضت هذه المعارك مع كل جيرانها تقريباً بما فيها الحروب الروسية – السويدية المتعددة، والتي أفضت منذ القرن التاسع عشر إلى اعتمادها مبدأ الحيادية. والتي نشأت نتيجة تورط هذه الدولة في الحروب النابليونية، التي فقدت على إثرها أكثر من ثلث أراضي البلاد، بما في ذلك خسارة فنلندا الصادمة لصالح روسيا. أدت حالة الاستياء تجاه الملك القديم إلى حدوث انقلاب، وصاغ النظام الجديد على إثر الانقلاب سياسة خارجية جديدة أصبحت تُعرف باسم سياسة 1812، التي صاغها جان بابتيست برنادوت، ولي العهد المنتخب.

 عملياً تناقضت سياسة 1812 بشكل حاد مع السياسة الخارجية السابقة للسويد، والتي تورطت خلالها بالعديد من النزاعات، خاصة مع عدوها اللدود، روسيا. لكن مع بدء نابليون في عام 1812، حملة ضد روسيا والإمبراطور ألكساندر، احتاج الإمبراطور إلى الحلفاء، والتقى نتيجة لذلك بالملك السويدي في آبو. اتُّفِق في الاجتماع على قبول السويد أن تكون فنلندا جزءًا من روسيا مقابل مساعدة القيصر في الضغط على الدنمارك للتنازل عن النرويج لصالح السويد. شاركت القوات السويدية بقيادة برنادوت في الحروب النابليونية في عامي 1813 و1814، إذ قاتلت ضد فرنسا (كان لها دور صغير في معركة لايبزيغ) والدنمارك. أجبرت السويد الدنمارك على تسليم النرويج بموجب معاهدة كيل. هذا ما اعترفت به قوى الحلفاء في مؤتمر فيينا. لم تشارك السويد منذ ذلك الوقت في أي قتال مسلح. 

تم خرق هذه الحيادية خلال الحرب العالمية الثانية. فعلى الرغم من الحصار البحري البريطاني لألمانيا النازية والنوايا الرسمية المقدمة من الحكومة السويدية للحفاظ على الحياد السياسي، صدّرت السويد الحديد الخام لتمويل الصناعات الحربية في ألمانيا النازية عبر ميناء نارفيك النرويجي. وشكّل اعتماد الصناعة الحربية في الألمانية النازية على شحنات الحديد الخام القادمة من السويد السبب الرئيسي في إطلاق بريطانيا العظمى وحلفائها عملية ويلفريد والحملة العسكرية على النرويج في أوائل أبريل 1940. 

 بحلول أوائل يونيو 1940، أظهرت الحملة العسكرية على النرويج فشلًا ذريعًا للحلفاء، تمكنت ألمانيا النازية من الحصول على إمدادات الحديد الخام اللازمة للصناعات الحربية من السويد على الرغم من الحصار البحري البريطاني، وذلك عبر استخدام القوة لتأمين الوصول إلى الموانئ النرويجية. لقد دعمت السويد أيضًا الصناعة الحربية الألمانية النازية خلال الحرب بالحديد والقطع المصنوعة، وأمنت وسائل نقل للتعزيزات الألمانية وفرقة المشاة رقم 163 المعروفة بفرقة إنغلبريخت بقيادة الجنرال إيروين إنغلبريخت، والمعدات العسكرية عبر الأراضي السويدية باستخدام القطار من النرويج إلى الجبهة الشرقية في فنلندا.

 ولكن هذه الحيادية كما أشرنا مع العدو اللدود روسيا، جاءت نتيجة صراعات وحروب دامية تم تأريخ أولها في منتصف النصف الثاني من القرن الثاني عشر، عندما كان الصراع على البر، أي على طول خليج فنلندا، يدور بين الروس والسويديين. في عام 1187، اكتملت حملة سيغتون (Sigtun)، ونتيجة لذلك تم حرق العاصمة السويدية سيغتونا (Sigtuna) من قبل النوفغروروديين (Novgorodians) والكاريليين (Karelians). 

 في عام 1240، شنت حملة صليبية ضد روسيا بقيادة السويدي يارل بيرغر، إذ دخل الأسطول السويدي إلى نهر نيفا، لكن أمير نوفغورود ألكسندر ياروسلافيتش ألحق به الهزيمة. دخلت هذه المعركة في التاريخ باسم معركة نيفا.

 في نهاية القرن الثالث عشر، قام السويديون بمحاولات لمهاجمة تجار نوفغورود في منطقة بحيرة لادوجا، واستولوا على مدينة كوريلا عام 1295، لكنهم فشلوا في الحصول على موطئ قدم في منطقة نيفا. 

 في بداية القرن الثالث عشر، وقعت مواجهات عسكرية بين السويديين والنوفغوروديين، وانتهت بمعاهدات سلام؛ والتي، مع ذلك، غالبًا ما تم انتهاكها.

في عام 1323، أسس أمير نوفغورود يوري دانيلوفيتش حصنًا في جزيرة أوريخوفا على نهر نيفا لحماية ممتلكاته (أوريشك)، وأبرم معاهدة سلام مع الملك السويدي ماغنوس إريكسون، والتي انتهكها الهجوم السويدي على أوريشك في عام 1348. لكن القوات الروسية هزمت السويديين وأخرجتهم من القلعة.

 بعد ضم نوفغورود إلى موسكو وإنشاء دولة روس المركزية، استمرت المعارك مع السويديين، على وجه الخصوص، في عام 1496، عندما حاصر الروس قلعة فيبورغ السويدية. استمرت المواجهات حتى عام 1508، عندما أبرم فاسيلي الثاني معاهدة سلام أخرى مع السويديين.

 في الخمسينيات من القرن السادس عشر، وتحت حكم إيفان الرهيب، استؤنفت المواجهات العسكرية المحلية مع السويديين، لكن حربًا واسعة النطاق، تسمى الحرب الليفونية، بدأت فقط في عام 1570. أثناء الحرب من أجل الاستحواذ على ليفونيا، أحرق السويديون كوريلا، واحتلت هابسال (هابسالو التي تقع اليوم على الساحل الغربي لاستونيا)، ونارفا (روجوديف)، وأوريشك. 

في عام 1583، تم إبرام هدنة بليوسكو، والتي بموجبها خسرت روسيا يام (يامبورغ) وكوبوري وإيفانغورود وكوريلا، والتي لم تتم استعادتها إلا بعد حرب 1590-1595، التي كانت بالفعل تحت حكم القيصر فيودور يوانوفيتش.

 شارك السويديون في أحداث زمن الاضطرابات في روسيا (أو زمن الفتن والقلاقل) منذ عام 1610، واحتلوا لادوجا، وجدوف، وحاصروا بسكوف. في عام 1617، تم إبرام معاهدة ستولبوفسكي للسلام، والتي بموجبها أعطت روسيا إنجرمانلانديا وكاريليا إلى السويد وتمت إعادة نوفغورود إلى روسيا تحت حكم القيصر أليكسي ميخائيلوفيتش، في 1656-1658. كانت روسيا والسويد في حالة حرب مرة أخرى، وحاصرت القوات الروسية أورشيك (Oreshek) أو نوتيربورغ (Noteburg)، واحتلت نياسكينس (Nyenskans)، دوربار (Dorpat)، ويامبورغ (Yamburg).  ومع ذلك، نتيجة لهذه الحرب، لم تتغير حدود التي كانت ما قبل الحرب بين روسيا والسويد.//// كانت أكثر الحروب طموحًا بين جميع الحروب الروسية السويدية حرب الشمال العظمى 1700-1721.

 في البداية، قاتل الاتحاد الشمالي (ساكسونيا، الدنمارك، روسيا) ضد السويد، لكن روسيا ظلت العدو الرئيسي للسويد حتى نهاية الحرب. بعد هجوم فاشل على نارفا في عام 1700، تمكنت القوات الروسية بعد ذلك بعامين من الاستيلاء على نوتبورغ، وفي عام 1704 أمسكت بنارفا ودوربات. 

 في عام 1708، غزا الملك السويدي تشارلز الثاني عشر روسيا، لكن القوات التي كانت تحت قيادته هُزمت في معركة حاسمة في بولتافا. خلال الحرب، احتلت القوات الروسية أراضي البلطيق.  لقد حقق الأسطول الروسي الجديد انتصارات في جانجوت (1714)، وجرينغام (1720). في عام 1721، تم إبرام معاهدة نشتات (نيستاد – Nystad ) التي أنهت حرب الشمال الكبرى ، والتي بموجبها انضمت إنجرمانلانديا، وهي جزء من كاريليا ودول البلطيق، إلى روسيا. 

 واستحوذت روسيا بموجبها على أراضي استونيا وليفونيا وإيغريا، فضلا عن الكثير من كاريليا وعدد من جزر بحر البلطيق من السويد وحل بطرس الأكبر قيصر روسيا محل الملك فريدريك الأول ملك السويد كحاكم للمقاطعات التي استولى عليها. بنى بطرس الأكبر سانت بطرسبورغ في الأراضي التي احتلتها روسيا. سجلت المعاهدة بروز روسيا كقوة عظمى في أوروبا في مكان السويد. وأعادت روسيا المناطق التي احتلتها من فنلندا ودفعت مليوني ثالر فضي إلى السويد على سبيل التعويض عن الأراضي التي خسرتها لصالح روسيا.

 بعد عشرين عامًا، في عام 1741، أعلنت السويد، التي ترغب في استعادة الأراضي المفقودة، الحرب على الإمبراطورية الروسية، لكن الأعمال العدائية كانت سيئة بالنسبة للسويد كما في السابق.

 استولت القوات الروسية على قلعة فيلمانستراند (لابينرانتا) وهزمت الكتيبة السويدية. في حزيران1742 وصل الجيش الروسي إلى هيلسينجفورس (هلسنكي). في عام 1743، بعد المفاوضات، تم التوصل إلى معاهدة سلام، والتي بموجبها اعترفت السويد بنتائج حرب الشمال ونقل إلى روسيا جزءًا من الأراضي في فنلندا السويدية وقلعة نيشلوت (سافونلينا).

في عام 1788، مستغلة الحرب بين روسيا والإمبراطورية العثمانية، بدأت السويد عمليات عسكرية ضد روسيا، مطالبة بالتخلي عن الأراضي التي حصلت عليها خلال الحروب السابقة. حاصر السويديون نيشلوت، لكنهم أجبروا على التراجع؛ في البحر فشلوا أيضًا في تحقيق النجاح. في عام 1790، تم التوقيع على معاهدة فيريلا، والتي بموجبها اعترف كلا الجانبين بحدود ما قبل الحرب.

 في بداية القرن التاسع عشر. بدأت السويد، غير الراغبة في الانضمام إلى حصار إنجلترا الذي فرضه نابليون، في مسار للتقارب مع لندن. أدت تصرفات السويد إلى بروز دور للإمبراطور الروسي ألكسندر الأول، الذي انضم، وفقًا لسلام تيلسيت مع نابليون، إلى حصار إنجلترا، لبدء عمليات عسكرية ضد السويديين. 

 في بداية عام 1808، عبرت القوات الروسية الحدود ودخلت أراضي فنلندا السويدية. استسلمت القلاع السويدية سفيابورغ (Seaborg) تافستيهوس (وTavastehus)) للقوات الروسية، كما احتلت جزر آلاند. تقدم الجيش الروسي إلى ستوكهولم، واستولى على مدينة تورنيو. بعد انقلاب في السويد وهدنة قصيرة، استؤنفت الأعمال العدائية، لكن النجاح لم يكن إلى جانب السويديين.

  في أيلول 1809، تم إبرام صلح فريدريشسام، والذي بموجبه استولت روسيا على كامل الأرضي الفنلدنية كانت هذه الحرب الأخيرة في سلسلة الحروب الروسية السويدية. (يتبع) 

 المراجع: 

 – برينخر. أ.غ (Brickner A.G): الحرب بين روسيا والسويد في 1788-1790. سانت بطرسبورغ، 1896.

 – الدماء والبارود.  الأمجاد: حروب روسيا في عصر الباروك (1700-1762)، سانت بطرسبورغ، الإصدار الثاني، 2002.

– الحروب الروسية –السويدية: القاموس الموسوعي بروكهاوس وإفرون  Brockhaus- Efron ) ،  86 مجلداً (المجلد 82، والمجلد الرابع الإضافي). سانت بطرسبورغ، 1980-1907.

– فومين أ.إ. (Fomin A.A): السويد في منظومة السياسة الأوروبية عشية وأثناء الحرب الروسية السويدية 1808-1809. موسكو، 2003.

Visited 60 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي